الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ فَٱللَّهُ هُوَ ٱلْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

بعد أنْ قرر الحق سبحانه أن الظالمين ما لهم من ولي ولا نصير يسوق هذا السؤال: { أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } [الشورى: 9] هل لهم أولياء لا نعلمهم، فالاستفهام هنا للنفي والإنكار، وما داموا ليس لهم أولياء فلماذا لم يتخذوني ولياً لهم، أو يكون المعنى: بل اتخذوا من دونه أولياء، وعليهم أن يتفكروا في ذلك، وأنْ يراجعوا أنفسهم. { فَٱللَّهُ هُوَ ٱلْوَلِيُّ } [الشورى: 9] الولي الحق لمَنْ أراد ولياً وناصراً { وَهُوَ يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [الشورى: 9] جاء هنا بصفتين لا يستطيعهما أحد من أوليائهم إحياء الموتى والقدرة، وهذه الصفات الخاصة به سبحانه نجدها في القرآن دائماً مقرونةً بضمير الفصل للتأكيد على أنها لله وحده لا يشاركه فيها غيره، لذلك قال: { فَٱللَّهُ هُوَ ٱلْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [الشورى: 9]. وقال سبحانه:وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا } [النجم: 43-44] فهذه أفعالٌ لا يقدر عليها إلا الله وحده، فمعنى أضحك وأبكى أوجد فيك غريزة الضحك وغريزة البكاء، بدليل أنها موجودة في كل بني آدم وفي كل الجنسيات، الضحك واحد عند العرب، وعند الهندي، وعند الروسي ومثله البكاء فهي إذن غريزة، وكذلك مسألة الحياة والموت هي لله وحده لا يقدر عليها أحدٌ سِوَاه. وفي قصة سيدنا إبراهيم يقول وهو يُعدِّد نِعمَ الله عليه:ٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَٱلَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَٱلَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ } [الشعراء: 78-81]. ففي الأمور التي فيها شبهة فعْلٍ لغير الله يأتي بضمير الفصل هو لتأكيد أن الفعل لله وحده كما في { فَهُوَ يَهْدِينِ } [الشعراء: 78] لأن الهداية قد تأتي على يد أحد من البشر، وفي { يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ } [الشعراء: 79] فالأب مثلاً قد يظن فيه أنه الذي يُطعمني ويَسْقين، كذلك في { يَشْفِينِ } [الشعراء: 80] لأن الطبيب قد يظن البعض أن بيده الشفاء، أما في الأفعال التي لا شبهة لتدخّل أحد فيها فيأتي بها دون توكيد لأنها خالصة لله تعالى دون منازع { وَٱلَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ } [الشعراء: 81]. وإحياء الموتى يُراد به البعث في الآخرة، وقد رأينا مثالاً له في الدنيا كقصة العُزَير التي حكاها القرآن:أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَٱنْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَٱنْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَٱنْظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

السابقالتالي
2 3