الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَآءَ يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ }

الكلام هنا عن يوم القيامة { وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَآءَ يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ } [الشورى: 46] أي: يدفعون عنهم العذاب الذي حَلّ بهم { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ } [الشورى: 46] يعني: ما له من طريق للهداية لأن الله تعالى هو الذي يهدي، يضع نموذجاً للهداية. وسبق أنْ بيّنا أن الهداية على ضربين: هداية الدلالة والإرشاد، وهداية التوفيق والمعونة، لذلك رأينا بعض المستشرقين يقفون أمام بعض الآيات يتهمون القرآن بالتعارض بين آياته، ومن ذلك قوله تعالى:وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ } [فصلت: 17] وقوله تعالى:إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } [القصص: 56] وفي موضع آخر:وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [الشورى: 52]. فأثبت الهداية مرة ونفاها مرة أخرى، والخطاب هنا لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعتراض هؤلاء على أسلوب القرآن ناتج عن عدم فهمهم لكلام الله، فالنفي والإثبات هنا لأن الجهة مُنفكة، فمتعلق إثبات الهداية له معنى، ومتعلق نَفْيها له معنى آخر. وسبق أنْ أوضحنا أن الهداية نوعان: هداية إرشاد وهداية معونة وتوفيق، فرسول الله يملك هداية الإرشاد والدلالة، ولا يملك هداية التوفيق والمعونة، هذه بيد الله وحده يهدي إليه مَنْ يشاء. فقوله:إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } [القصص: 56] نفى عنه هداية التوفيق والمعونة لأنها لله تعالى، وقوله:وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [الشورى: 52] أثبت له هداية الإرشاد والدلالة. إذن: الجهة منفكة وليس هناك تعارض بين الموضعين. واقرأ مثلاً قوله تعالى مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم:وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ } [الأنفال: 17] في الفعل وأثبته في موضع واحد، لأن الجهة أيضاً منفكة، ولكل فعل منهما معنى. وكذلك في قوله تعالى:وَعْدَ ٱللَّهِ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ ٱلآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } [الروم: 6-7] يعني: لا يعلمون حقائق الأشياء إنما يعلمون ظاهرها. وفي واقعنا اليومي نستخدم هذا الأسلوب في نفي الفعل وإثباته في موضع واحد، فلما ترى ولدك يفتح الكتاب وينظر في سطوره وهو منشغل عنه، أو تسأله بعد المذاكرة فلا يجيب فتقول له: ذاكرتَ وما ذاكرتَ، يعني: ذاكرتَ شكلاً ولم تذاكر موضوعاً أو مضموناً. ثم يقول الحق سبحانه: { ٱسْتَجِيبُواْ لِرَبِّكُمْ... }.