الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلعَظِيمُ }

أي: لله تعالى ما في السماوات وما في الأرض ملكاً لا يتصرف فيه الخليفة، هذه منطقة حرام أنْ يتصرَّف أحد في مُلْك هو لله تعالى وحده، إنما يتصرف الخليفة فيما دون ذلك من الأحداث. وحين نستقرئ هذه الآية وأمثالها في القرآن نجد الحق سبحانه يقول مرة: { لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } [الشورى: 4] ويقول مرة:وَلَهُ مَا فِي ٱلْسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [النحل: 52] ذلك لأن الخلق متفاوت، فهناك خلْق موجود في السماء وفي الأرض وهم الملائكة، وهناك خلق للسماء فقط، هم الملائكة العالون وهناك خَلْق للأرض فقط هم: الجن والإنس. فحين يقول: { لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } [الشورى: 4] يذكر الجنسين، وحين يقول:وَلَهُ مَا فِي ٱلْسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [النحل: 52] يذكر الجنس المشترك بينهما. نفهم من ذلك أن الكون الذي نعيش فيه ليس مِلْكاً لأحد على الحقيقة، فالملكية لله تعالى وإنْ ملَّك بعضاً شيئاً فهو موقوت، ومن باطن ملكه تعالى حتى لا يغترَّ أصحابُ الأملاك بأملاكهم، أنت مجرد خليفة لستَ مالكاً، هذه الأرض عبارة عن ملعب نحن جميعاً فقط نلعب فيه ولا يملكه منا أحدللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [المائدة: 120]. وقالوا: اللام للملك كما في: القلم لزيد. وللاختصاص كما لو قلتَ: الحبل للفرس، فالفرس لا يملك الحبل إنما يملكه صاحب الفرس، فالحبل يخص الفرس. وفي قوله تعالى: { لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } [الشورى: 4] تفيد المعنيين، فهي للملك وللاختصاص أو القصر بتقديم الخبر الجار والمجرور له، فالملك هنا لله وحده لا يشاركه في ملكه أحد، تقول: لزيد القلم يعني خاص به ومقصور عليه، أما القلم لزيد يمكن أن تقول: ولعمرو. والهاء ضمير الغائب في له تعود على الحق سبحانه، والغيبة هنا هي عين الظهور والحضور، ومن عظمته سبحانه أنه غيب لا يُدرَك بالحواسلاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَٰرَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } [الأنعام: 103]. فمن عظمته أنه غيب، كما نقول: الحق هذه الكلمة التي يدعيها الجميع أنه على الحق، وكذلك العدل.. هذه معانٍ نتحدث عنها لكن لا نعرف ما هي؟ ما شكلها؟ فلو كنا لا ندرك مجرد المعاني العالية، فكيف نطمع في إدراك ذات الحق سبحانه؟ وفي موضع آخر قال سبحانه:لِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [الشورى: 49] إذن: فالله يملك السماوات والأرض، وهي ظرف فيه أشياء هي أيضاً ملك لله { لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } [الشورى: 4] وما في السماء أثمن من السماء، وما في الأرض أثمن من الأرض، والعادة أن المظروف أنفسُ من الظرف الذي يحتويه. فكل ما في السماوات وما في الأرض مِلْكٌ لله ومُسخَّر لخدمة خليفته في أرضه، فالحق سبحانه خلق لك قبل أنْ يخلقك، وأعدَّ لك كَوْناً جاهزاً لاستقبالك فيه مُقوِّمات حياتك، هذا قلنا: إنه عطاء الربوبية.

السابقالتالي
2