الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ }

كلمة أصاب مأخوذة من إصابة السهم للهدف، فإذا كان الرامي حاذقاً أصاب الهدف دون انحراف، فكأن المصائب في الدنيا سهام أُطْلقت بالفعل، وهي لا بدَّ صائبة أصحابها. لذلك يقولون: إن المصيبة ليست ناشئة حال وقوعها، إنما هي مُقدَّرة أزلاً، وسهم أُطلق بالفعل، فوقتها هو مسافة سفر السهم إليك، كما سبق أنْ قُلْنا في مصيبة الموت. فهو إذن مسألة مفروغ منها وأمر مُسجَّل ومكتوب عليه أزلاً ليس حادثاً، فالكون كله له ماكيت مُسجَّل ومُوضَّح به كل شيء. لذلك قال تعالى:مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } [الحديد: 22] إذن: لا مفرَّ أبداً من المصيبة ولا مهربَ منها، ولا يمكن أبداً أنْ نحتاط لها، لأن السهم الذي أُطلِق لا يُرد. والمصائب التي تصيب الإنسان على نوعين: نوع لك فيه دَخْل ويد، ونوع لا دخلَ لك فيه، فمثلاً التلميذ الذي يرسب آخر العام لأنه أهمل دروسه ولم يجتهد لا شكَّ أن له دخلاً في هذه المصيبة التي حلَّت به آخر العام، فإذا كنت لا تريد أن تصيبك هذه المصيبة فخُذْ بأسباب النجاح واحذر أسباب الفشل وسوف تجد النجاح. الأخرى: مصيبة لا دخْلَ لك فيها، كالتلميذ يذاكر ويجتهد ويحفظ دروسه لكن يصيبه دوار ساعة الامتحان أو مرض مفاجئ فلا يستطيع إكمال الامتحان فيرسب، هذا حدث بقدر الله والذي أجرى عليه القدر ربه عز وجل، ولا بدَّ أنَّ له فيه حكمة، لذلك يجب الرضا بهذه المصيبة على أنها قضاء الله وقدره، والمصيبة تهون مهما كانت عظيمة حينما يؤمن المصاب بها أنها من الله لا من أحد سواه. وسبق أنْ أوضحنا هذه المسألة بمثال من الواقع. قلنا: هَبْ أنك جالس فدخل عليك ابنك الصغير ووجهه يسيل منه الدم، وإن أول ما يتبادر إلى ذهنك أن تسأله: مَنْ فعل بك هذا؟ إذن: لم تحكم على الحدث إنما سألتَ عن صاحبه لأن الحدث في ذاته لا يُحزن ولا يُفرح إلا بمصاحبة الفاعل. فإنْ قال لك الولد: عمِّي فلان ضربني تهدأ. وتقول له: لا بدَّ أنكَ فعلتَ شيئاً يستحق العقاب، أما إنْ قال لك: ضربني فلان جارنا تغضب وتقيم الدنيا ولا تقعدها. إذن: الحدث إنْ كان من مُحبٍّ قبلناه، وعلمنا أن وراءه مصلحة ورضينا به، وإنْ كان من عدو فلا مصلحةَ فيه واعترضنا عليه. فالحق سبحانه يريد أنْ يُعلِّمنا كيفية استقبال المصائب وأنَّ كلَّ مصيبة تأتي لها سبب، فإنْ عرفناه كان بها، وإنْ جهلناه قلنا لا بدَّ أن لله فيه حكمة ودخلنا من باب الرضا والتسليم بدل أن ندخل من باب السخط والاعتراض.

السابقالتالي
2 3 4 5