الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَلِكَ يُوحِيۤ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

الكاف في { كَذَلِكَ } حرف معنى يفيد التشبيه و { ذَلِكَ } إشارة إلى الحروف المقطعة السابقة، يعني بمثل هذه الحروف { يُوحِيۤ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ } [الشورى: 3] فهذه الحروف من وحي الله إلى نبيه محمد، وما يأتي بعدها أيضاً من وحي الله. والوحي: هو إعلام بخفاء من المتكلم للسامع، فلو جاءك ضيف وتريد أن تخبر خادمك بأمر دون أنْ يُحسَّ به الضيف، فإنك تنظر إلى الخادم أو تهمس إليه بطريقة ما يفهم منها ما تريد، فكأنك أوحيتَ إليه بهذا الأمر. والوحي يقتضي: مُوحِياً، ومُوحَىً إليه، ومُوحَىً به، وقد أخبرنا الحق سبحانه أنه يوحي لمن يشاء من مخلوقاته، يوحي إلى الملائكة:إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ.. } [الأنفال: 12]. ويوحي للرسل:إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ.. } [النساء: 163]. ويوحي إلى الصالحين من عباده، كما أوحى إلى الحواريين، وكما أوحى إلى أم موسى، وأوحى للنمل، وأوحى إلى الأرض وهي جماد:بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا } [الزلزلة: 5]. كذلك أخبرنا الحق سبحانه أن الشياطين يوحي بعضهم إلى بعضهم، ومثلهم شياطين الإنس، قال تعالى:وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ.. } [الأنعام: 121] أي: من الإنس وقال:يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً } [الأنعام: 112] والوصف العام لكلمة الوحي أنه بخفاء، هذا في المعنى العام لكلمة الوحي، وهو يكون بالخير ويكون بالشر. أما الوحي الشرعي المقصود هنا فالذي يكون من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بواسطة الملَك جبريل عليه السلام، قال تعالى:وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ } [الشورى: 51]. إذن: الوحي الشرعي: إعلام من الله لمن اختاره من الرسل بإحدى هذه الوسائل: أن يرسل إليه مَلَكاً أو عن طريق الإلهام، وسبق أنْ أوضحنا أن وارد الرحمن لا يصطدم بوارد الشيطان، لأن وارد الرحمن أقوى لا ينازعه شيء. ففي قصة أم موسى، قال تعالىوَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ } [القصص: 7] الوحي هنا بمعنى ألهمها، أو نفث في روعها، أو مرَّر بخاطرهاأَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي ٱليَمِّ } هذا أمر العقل لا يقبله، لكنه لما كان من الله لم يعارضه اختيار آخر وأذعنتْ له أم موسى ونفَّذته على الفور. لذلك لما أراد الحق سبحانه أنْ يعلِّم صحابة رسول الله أمور دينهم أنزل إليهم جبريل في صورة رجل، وأخذ يسأل رسول الله عن الإيمان وعن الإسلام وعن الإحسان وكان يسأل ويصدق لذلك تعجب منه الصحابة: كيف يسأل ويصدق، ولما انتهى الدرس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنه جبريل جاء يعلمكم أمور دينكم ".

السابقالتالي
2 3