الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ٱللَّهُ يَجْتَبِيۤ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ }

هذه الآية هي المذكرة التفصيلية أو التفسيرية للآية الثالثة في أول السورة:كَذَلِكَ يُوحِيۤ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [الشورى: 3] والتفصيل بعد الإجمال أسلوب من أساليب القرآن الكريم. قوله تعالى: { شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ.. } [الشورى: 13] يعني سَنَّ لكم وبيَّن ووضَّح، ومن هذه المادة شَرَعَ شَرَّع وشريعة يعني طريقة واضحة، والإنسان فيه جانبان المادة والروح. فكما أن الحق سبحانه ضمن له بقاء حياة المادة بالماء والطعام والهواء، كذلك جعل له حياة لروحه حياة بالقيم والأخلاق. هذه القيم هي منهج الله الذي نزل على قلب رسوله صلى الله عليه وسلم، وبهذا المنهج تحيا القلوب والأرواح كما تحيا الأبدان بالطعام والشراب، وهذا الشرع وهذه القيم ليست جديدة في موكب الرسالات، بل هي سنة الله فيمَنْ سبق كان لهم دين وشرع، كل بما يناسبه. لذلك قال بعدها: { مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً.. } [الشورى: 13] يعني: ما أمر به نوحاً وألزمه من التكاليف، واختار نوحاً لأنه كان أول رسول في العموميات، وقد قال بعض العلماء أن نوحاً أُرسل كذلك للناس كافة على اعتبار أن الناس في زمنه كانوا هم ركاب السفينة، فعموميته خاصة بالموجودين معه على السفينة، أما عمومية رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فكانت عامة للناس في كل مكان على وجه الأرض. ثم تأمل هنا دقة الأداء القرآني في { مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً.. } [الشورى: 13] ما هنا اسم موصول بمعنى الذي، وكان المنطق أن يقول بعدها: وما أوحينا إليك. باسم الموصول ما لكن هنا الكلام عن الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء بالذي وهي أم الموصولات كلها، ومع غيره جاءت ما وهي كما يقول النحويون اسم موصول بمعنى الذي، ثم تلاحظ الفعل وصى هكذا بالمفرد، إنما مع رسول الله قال: { وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ.. } [الشورى: 13] بنون الجمع ويسمونها نون العظمة. ثم بعد ذلك يعود السياق إلى استخدام ما مرة أخرى: { وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ.. } [الشورى: 13] وهذه تدل على خصوصية لسيدنا رسول الله من بين سائر الرسل عليهم جميعاً السلام. قوله تعالى شرع ووصى، بماذا؟ تأتي بعده أنْ ويسمونها أن التفسيرية، يعني: تفسر لنا مدلولَ شرع ووصى { أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ.. } [الشورى: 13] ومثله قوله تعالى:وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ.. } [القصص: 7] إذن: وصَّى الله هؤلاء الأنبياء بأن يقيموا الدين وبعدم التفرق فيه والاختلاف. وإقامة الشيء أي جَعْله قائماً، والقيام هو العمدة في الدلالة على القوة والمقدرة، فالإنسان لا يقوم إلا حال قوته، فإن تعب من القيام قعد، فإنْ تعب من القعود يضطجع، فالحق يريد منا أنْ نجعل الدين قائماً يعني: نقوم به لا نقعد ولا ننام، فالقيام هنا كناية عن الاهتمام به والمحافظة عليه { وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ.

السابقالتالي
2 3 4 5