الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ }

وقال تعالى في أول سورة فاطر:ٱلْحَمْدُ للَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [فاطر: 1] الفاطر هو الخالق الذي يخلق الشيء على غير مثال سابق، ولا نموذج يُحتذى، كما يحدث مثلاً في عالم الصناعة الآن، فهناك دولة متقدمة صناعياً فتأتي دول أقل منها تأخذ صناعاتها وتُقلِّدها وتصنع على مثالها، صحيح تُطوِّر فيها وتُجدِّد وتضيف لكن للدولة الأولى السَّبْق في النموذج الأول. فمعنى { فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [الشورى: 11] خالقهما ومبدعهما على غير مثال سابق { جَعَلَ لَكُم } [الشورى: 11] دلتْ على أن كل الأشياء مخلوقة لخدمة بني آدم هذا الخليفة الذي استخلفه الله في الكون لذلك ورد في الحديث القدسي: " يا ابن آدم خلقت الأشياء من أجلك، وخلقتُك من أجلي، فلا تنشغل بما هو لك عما أنت له ". وقوله تعالى: { جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً } [الشورى: 11] يراد بالأزواج هنا الذكورة والأنوثة، كما في قوله تعالى:سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ } [يس: 36]. وهذه حقيقة أثبتها العلم الحديث أن الزوجية موجودة في كل شيء حتى في الجمادات، فَهِمْنَاهَا في الموجب والسالب في الكهرباء، ورأيناها في ذرات المادة، قديماً كانوا يعرفونها في الأحياء في الإنسان والحيوان والنبات، وبالتقدم العلمي وجدناها في كل شيء خلقه الله. وهذا دليل صِدْق قوله تعالى:وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ } [يس: 36]. ومن عجائب الخلق في هذه المسألة أنْ ترى نباتاً يحمل خصائص الذكورة وآخر للأنوثة، ويتم التلقيح بينهما عن طريق الهواء أو الفراشات مثلاً، وفي نبات آخر تجد فيه خصائص الذكورة والأنوثة معاً في شجرة واحدة، فشجرة الجميز مثلاً منها ذكر وأنثى والنخل كذلك، أما شجرة المانجو فهي واحدة تُلقَّح نفسها، ومثلها سنبلة القمح وعود الذرة، فهذه كلها تُلقِّح نفسها، لأن فيها عناصرَ للذكورة وأخرى للأنوثة في نفس النبات. ومعنى { مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً } [الشورى: 11] يعني: من نفس النوع ومن نفس جنسكم، والطبيعة تجذب كلاً من النوعين الذكر والأنثى إلى الآخر فيحدث تعايش بينهما ينشأ عنه غريزة هي غريزة الجنس، وهذه يصاحبها متعة. ومن التقاء الذكر والأنثى يحدث النسل، فالإنسان أخدها للنسل وللمتعة معاً، أما الحيوان فأخذها للنسل فقط، فترى الذكر منجذباً إلى الأنثى حتى يحدث الحمل، بعدها لا يقربها. أما الإنسان فغير ذلك، الإنسان أخذها متعة وبعد ذلك يتهم الحيوان ويقول: شهوة بهيمية، هي في الواقع شهوة إنسانية، فَلِمَ نظلم البهائم؟ ومن نعمه تعالى على خَلْقه أنْ جعل الأزواج من جنس واحد ليتم التوافق والانسجام بين النوعين ويحدث التناسل وبقاء النوع لذلك امتنَّ الحق سبحانه على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأن جعل لهم رسولاً من أنفسهم يحمل إليهم منهج الله

السابقالتالي
2 3