الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ }

قوله تعالى { قُلْ } أي: قل لهم يا محمد { أَرَأَيْتُمْ } أخبروني، واحكموا أنتم { إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ } [فصلت: 52] أي: كفرتم بالمنعم { مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } [فصلت: 52] يعني: لا أحدَ أضلُّ ممن زرع الشقاق والخلاف بين النعمة والمنعم، فأخذ النعمة وكفر بالمنعم، فمن هنا استفهامية أفادت التعجب والإنكار، فالنعمة تقتضي شكر المنعم وحمده. والحق سبحانه في آيات أخرى يعرض علينا نعمه عرضاً كريماً رحيماً، ويمتن علينا بها فيقول:وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا } [إبراهيم: 34] كلمة { إِن } أفادتْ الشك لأن الإنسان لا يقبل على عدِّ شيء إلا إذا كان مظنة العد والإحصاء والحصر، فعلى فرض إنْ حدث وأقبلتم على عَدِّ نعمة الله فلن تحصوها، وسماها نعمة بالإفراد ولم يقُلْ نعم لأنك حين تتأمل النعمة الواحدة تجد في طياتها نِعَماً كثيرة. وهذه الآية وردت في موضعين، لكن تذييل كل منهما مختلف عن الأخرى فواحدة:وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } [إبراهيم: 34] والأخرى:وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَآ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } [النحل: 18]. لأن عناصر الإنعام ثلاثة: نعمة ومُنعِم ومُنعَم عليه، فمن ناحية النعمة فهي كثيرة لا تُعدُّ ولا تُحصَى، ومن ناحية المنعم فهو سبحانه غفور رحيم، ومن ناحية المنعَم عليه فظلوم كفار. فكأن ربَّك عز وجل يقول لك: يا عبدي لا تيأس من رحمتي، ولا تزهد في دعائي مهما كنتَ ظلوماً كفاراً، لأن ربك غفور رحيم.