الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَآئِي قَالُوۤاْ آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ }

قوله تعالى: إلَيْه أي: إليه سبحانه وتعالى { يُرَدُّ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } [فصلت: 47] الساعة هي القيامة وعِلْمها يعني وقتها، وهذه من الأمور التي استأثر الله تعالى بعلمها، ولم يُطلع عليها أحداً من خلقهلاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } [الأعراف: 187]. وفي إخفاء وقت الساعة حِكم عظيمة، أهمها ألاَّ يتكل الناسُ وأَلاَّ يتمادى أهل الباطل وأهل النزوات والشهوات في شهواتهم، بل يستعد الجميع لها، ويبادر الجميع بالأعمال الصالحة لأن أحداً لا يضمن ميعاد موته وخروجه من دنيا العمل إلى دار الحساب وقلنا: إنه مَنْ مات قامتْ قيامته. لذلك قلنا: إن الموقوتات العبادية لها زمنٌ من كذا إلى كذا، فالظهر مثلاً من استواء الشمس إلى ظل المثلين، والذي يصلي في كل هذه المدة أدَّى الفرض، لكن يفضل المبادرة لماذا؟ لأنك لا تضمن عمرك إلى آخر الوقت، فربما أتتْك منيّتك بعد لحظة من دخول الوقت فتكون قد أثمتَ. لذلك لما سُئِلَ سيدنا رسول الله عن خير الأعمال قال: " الصلاة لوقتها ". وقال تعالى:إِنَّ ٱلصَّلَٰوةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَٰباً مَّوْقُوتاً } [النساء: 103] كذلك في الحج ترى الرجل مُوسِراً وقادراً على تكاليف الحج، لكنه لا يحج تسأله يقول لك: إنْ عشتُ لعام كذا وبعد كذا وكذا أحج، سبحانه الله هل ضمنتَ عمرك أنْ تعيش إلى هذا الوقت؟ فالحق سبحانه لحكمة أبهمَ وقت قيام الساعة، وأبهم وقت الموت، واستأثر سبحانه بعلمها، والقيامة حَقٌّ والموت حَقٌّ وسَهْم أُرسِلَ إليك بالفعل، وعمرك بقدر سفره ووصوله إليك. قالوا: وإبهام علم الساعة والأجل هو عَيْن البيان، فإشاعته في الوقت كله تجعلك مُستعداً له تتوقعه وتنتظره في كل لحظة، لذلك قال تعالى في سورة تبارك:تَبَارَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } [الملك: 1-2]. فقدّم الموت في الخلق على الحياة مع أن الحياة كائنة أولاً، قدَّم الموت ليكون دائماً في الذِّهْن وعلى البال، قدَّم الموت لتستقبل الحياة على حذر ولا تغتر بها، تستقبل الحياة بمصاحبة نقيضها الموت، لتنتظره في أيِّ لحظة. ومن رحمة الله بعباده أنْ جعل للقيامة علامات يُستدل بها على قُرْبها، علامات صغرى وعلامات كبرى ليُخوِّف الناس، ويُوقِظهم من غفلتهم عن الآخرة. وقوله { وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا } [فصلت: 47] الأكمام: جمع كِمّ. وهو القشرة الخضراء التي تغلف الثمرة، ثم تنفلق قليلاً قليلاً لتخرج الثمرة منها، كما ترى مثلاً الوردة قبل أن تتفتح تجدها داخل غلاف أخضر مغلق عليها كأنها مُغمضة، ثم تتفتح وتخرج من هذا الغلاف.

السابقالتالي
2