الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلَّيلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }

قوله تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ.. } [فصلت: 37] من هنا تفيد التبعيض يعني: هذه بعضُ آياته تعالى في الكون، وإلا فآيات الله في كونه كثيرة لا تتناهى، والآية هي الشيء العجيب في تكوينه وخَلْقه الدالّ على قدرة الله وحكمته وبديع صُنْعه. { ٱلَّيلُ وَٱلنَّهَارُ.. } [فصلت: 37] آيتان من آيات الله الكونية، والليل والنهار يكونان معاً اليوم الذي نعرفه، وهو من الوقت إلى مثله، قال تعالى:سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً.. } [الحاقة: 7]. هذه الآيات الكونية المذكورة هنا { ٱلَّيلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ.. } [فصلت: 37] أخذتْ حظاً واسعاً في موكب الرسالات وفي العقائد، ففي قصة سيدنا إبراهيم - عليه السلام - وهو يبحث عن الحق والحقيقة لما نظر في الكون من حوله، فرأى كوكباً قال:فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلْلَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لاۤ أُحِبُّ ٱلآفِلِينَ * فَلَمَّآ رَأَى ٱلْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلضَّالِّينَ * فَلَماَّ رَأَى ٱلشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي هَـٰذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّآ أَفَلَتْ قَالَ يٰقَوْمِ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } [الأنعام:76-78]. إذن: فالشمس والقمر مرتبطان بالليل والنهار لهما مدخل في العقيدة، هذا المدخل في العقيدة ينتقل من قسم العقيدة وهي الإيمان بالإله الواحد إلى شيء آخر، هذا الشيء جُعل دليلاً إيمانياً على أمر شكَّ العربُ فيه لما نزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كانت دليلاً على عدم انقطاع الوحي عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. تعلمون قصة نزول الوحي على سيدنا رسول الله لأول مرة في غار حراء، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يعاني ويتعب من لقاء الملَكِ لاختلاف الطبيعة الملائكية عن الطبيعة البشرية، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يذهب إلى أهله يقول مرة: زمِّلوني زمِّلوني، ومرة: دثِّروني دثِّروني لما كان يحدث في طبيعته صلى الله عليه وسلم من تغيير، لذلك كان الوحي في بدايته ثقيلاً على رسول الله، وقد قال تعالى:إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } [المزمل: 5]. وروى الصحابة أنه صلى الله عليه وسلم كان يتفصَّد جبينه عرقاً لما ينزل عليه الملَك، والصحابي الذي كان يجلس بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم يسند فَخِذَه عليه، وكان يجد ثِقَلاً لا يطيقه حينما ينزل الوحي على رسول الله. لذلك أراد الحق سبحانه أن يخفف عن رسوله صلى الله عليه وسلم هذه المعاناة، فانقطع الوحي لمدة ستة أشهر، ليستريح رسول الله وتذهب عنه متاعب التلقِّي الأولى، وليشتاق إلى لقاء الملَكْ من جديد، وإلى كلام الله الذي انقطع عنه، ولا شكَّ أن هذا الشوق سيعطيه طاقةَ لتحمُّل أمر الوحي والدعوة بعد ذلك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6