الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ }

بعد أنْ تكلم الحق سبحانه عن الكمال الذاتي للمؤمن الذي استكمل الإيمان وأعلنها: ربي الله، ثم استقام على طريقة، يقول بعد أن استقبل المؤمنُ الإيمانَ وباشرتْ حلاوتُه قلبه يفيض هذا الإيمان منه إلى غيره، وهذه مهمة من مهمات المؤمن أنْ ينقلَ الإيمان، وأنْ ينقلَ الخير إلى الغير. المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويحرص على إصلاح المجتمع من حوله، المؤمن لا يقف عند ذاته، ولا يكون أبداً أنانياً. والحق سبحانه يمدح منزلة الدعوة إلى الله، ويجعلها أحسن ما يقول الإنسان: { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ } [فصلت: 33] فأشرف الأعمال للذي تشبَّع قلبه بالإيمان أنْ يعدى هذا الإيمان إلى غيره، وأن ينقل له الصورة الإيمانية، فالمؤمن يصنع الخير لنفسه وللناس ذلك لأن خير الناس عائد إليه أيضاً، كما أن شرَّهم لا بدَّ أنْ يناله وأنْ يصيبه من نصيب. إذن: من مصلحتك أيها المؤمن أنْ يؤمن الناسُ، ومن مصلحتك أيها المستقيم على الجادة أنْ يستقيم الناسُ لذلك حمَّل اللهُ أمانة الدعوة إليه لكل مؤمن، لأنه سبحانه يريد أنْ يُعدَّى الإيمان ممَّنْ ذاقه إلى مَنْ لم يَذُقْه لتتسعَ رقعة الإيمان، ويعمّ الخير الجميع. وأول عناصر الدعوة إلى الله أنْ ندعوَ إلى العقيدة أولاً وإلى الإيمان بالله، أن نقول: ربنا الله، نُقِرُّ بِها ونعلنها خالصةً بلا تردد، ثم نلفتهم إلى آيات الله في الكون، إلى الآيات الكونية إنْ كانوا لا يتأملونها، وإلى آيات المعجزات المصاحبة للرسل إنْ كانوا لا يعلمونها، ثم إلى آيات الذكر الحكيم التي تحمل منهج الله بافعل ولا تفعل. وتأمل قوله تعالى: { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً } [فصلت: 33] الحق سبحانه أراد أنْ يُبيِّن لنا منزلة الدعوة إلى الله وفضل الداعية، لكن لم يأتِ بذلك في أسلوب خبري يُقرر هذه المنزلة إنما جاء بهذا السؤال { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً } [فصلت: 33] استفهام غرضه النفي، يعني: لا أحدَ أحسنُ من هذا الذي يدعو إلى الله، ولا قَوْلَ أحسن من قوله. قالها الحق سبحانه في صورة سؤال لأنه سبحانه يعلم أنه لا جوابَ لها إلا أنْ نقول: لا أحدَ أحسنُ قوْلاً ممَّنْ دعا إلى الله، فجعلنا نحن نعلن هذه الحقيقة ونُقِرُّ بِها، والإقرار كما يقولون سيد الأدلة. وأول داعية إلى الله هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل داعية من بعده يأخذ من معينه صلى الله عليه وسلم ويسير على خُطاه، ولما كان صلى الله عليه وسلم هو آخر الأنبياء فقد ترك لأمته هذه الرسالة، رسالة الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، فخيْر رسول الله لم ينقطع، بل ممتد في أمته من بعده، وكلُّ داعية بعده إنما يأخذ مقاماً من مقامه صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7