الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ }

النُّزُل هو المكان الذي أُعِدَّ للضيف ينزل فيه، ولا بُدَّ أنْ يعد هذا المكان بحيث يجد فيه الضيفَ كل ما يريد، فهو موطن الكرم، لذلك نسمي الفندق نُزُل، نعم نُزُل أعدَّه البشر للبشر، لكن الجنةَ نُزُل أعدَّه ربُّ البشر وخالقهم، أعدَّه لهم الغفور الرحيم بهم. لذلك قلنا: إننا لما ذهبنا إلى سان فرانسيسكو وجدنا هناك فنادق على درجة عالية من الرقي وجودة الخدمة، ورأيت الإعجاب بها في أعين زملائي فأردتُ أنْ ألفتهم لفتةً إيمانية، فقلت لهم: تعجبون مما ترونه، انظروا إليه نظرةَ تأمل، فهذا ما أعدَّه البشر للبشر، فكيف بما أعدَّه الله ربُّ البشر للبشر؟ وبهذه النظرة يُخرج المرء نفسه من دائرة الحقد أو الحسد أو الاعتراض، فكلُّ نعيم تراه، وكل جمال تقع عليه عينك ينبغي أنْ يُذكِّرك بنعيم الآخرة. كثيراً عندما نرى مثلاً عمارة عالية أو فيلا جميلة نقول: من أين كل هذه الأموال؟ ويساورنا شيء من الحقد على صاحبها، أو نحسده على فضل الله الذي اختصَّه به، لكن لو نظرنا إلى الموضوع من ناحية أخرى لوجدنا أن الله تعالى سخَّر هذا الرجل وسخَّر ماله لخدمة المجتمع كله، فقد أتعب نفسه في جمع هذه الأموال ثم أخرجها ليوزعها على العمال والصُّناع وأصحاب الحرف من طوائف المجتمع المختلفة. فهو - إذن - يُسهم في بناء المجتمع، ويُسهم في حركته لذلك علَّمنا ربنا تبارك وتعالى حين نرى شيئاً يعجبنا أن نقول:مَا شَآءَ ٱللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } [الكهف: 39]. يعني: هذا عطاء الله وفضله، يعطيه مَنْ يشاء من عباده، وحين تُسَرُّ بالنعمة عند غيرك، وتحبها له تحبك النعمة، لأن النعمة أعشقُ للمنعَم عليه من عِشْقه لها، أما إنْ كرهتَ النعمة عند الناس كرهتْكَ النعمة، وقالت له: والله لا تحضرك نعمة كرهتَها عند غيرك. ثم إن النعمة قدر، وعلى المؤمن أنْ يرضى بقدر الله، ولا يعترض عليه، وعليه أنْ يعلم أن لكل قدر حكمة إيمانية. وقوله: { نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ } [فصلت: 32] دل على أن هذا النُّزل وهذا النعيم لا يناله العبد بعمله، إنما يناله بمغفرة الله ورحمته، وهذا يُفسِّر لنا الحديث النبوي الشريف: " لا يدخل أحد الجنة بعمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته ". وقد تُستعمل كلمة النُّزل على سبيل الاستهزاء، فالنزُل قد يكون في أحد الفنادق، وقد يكون في السجن، يقول تعالى في سورة الكهف:إِنَّآ أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً } [الكهف: 102].