الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ }

يعني: لقد فاتكم شيء هام ما تنبهتم إليه، وهو أنكم كنتم تستترون عن الخَلْق أنْ يراك أحد حال المعصية، ونسيتم أن الله مُطَّلع عليكم يراكم ويرقب أفعالكم وما كنتم تستترون عن أنفسكم وجوارحكم، وغاب عنكم أن الجوارح شاهدة عليكم يوم القيامة. فاليد التي ضربتَ بها، والرِّجْل التي سعيتَ بها، واللسان والأذن والعين، كل الجوارح ستأتي شاهدة عليك يوم القيامة، هذه الجوارح التي أمرها الله أنْ تنفعل لمراداتك في الدنيا وتطيعك في كل ما تريد ستتحرر من هذا القيد يوم القيامة، فلا يكون لك سلطان عليها، ساعتها ستشهد عليك. فإنْ أطاعتك في المعاصي في الدنيا، لأن الله سخرها لك فقد أطاعتك وهي كارهة لفعلك بريئة منه، أما وقد عاد الجميع إلى الله، وصار الملْك كله للهلِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [غافر: 16] فلا عجبَ إذن أنْ تشهد عليكم جوارحكم، وأنْ تكون خصماً لكم أمام خالقها عز وجل. وسبق أنْ مثَّلْنا لهذه المسألة بقائد الكتيبة في الجيش يأمر جنوده فيأتمرون بأمره ينفذون الأوامر حتى لو كانت خاطئة، حتى إذا ما جاءوا إلى القائد الأعلى شكوْا إليه تعسُّف القائد المباشر، وقالوا: فعل بنا كذا وكذا. كذلك جوارح الإنسان أمرها الله أنْ تطيعه حتى في المعصية، وأنْ تنفعل لمراداته، فجوارحك تطيعك في كل شيء تريده، في الخير وفي الشر. وقوله: { وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ } [فصلت: 22] الحق سبحانه وتعالى يقول في حديث قدسي: " يا عبادي إن كنتم تعتقدون أني لا أراكم فالخلل في إيمانكم، وإن كنتم تعتقدون أني أراكم فَلِمَ جعلتموني أهون الناظرين إليكم " إذا كنتَ لا تستطيع أنْ تفعل في إنسان مثلك عملاً يسوؤه على مرأى ومسمع منه عيني عينك هكذا، فكيف تفعلها مع الله عز وجل؟