الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

الحشر: يعني جمع المختلفين، والمختلفون كان فيهم التابع والمتبوع، ضالِّين ومضلين، لا بدَّ أنْ يجمعهم الله جميعاً في وقت واحد يتقدمهم الزعماء ورؤوس الكفر.ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً } [مريم: 69] يعني: نأتي بالفتوات ونقدمهم إلى النار قبل الضعفاء، وكأن الله يقول لهم: هؤلاء قادتكم يسبقونكم إلى النار، يعني: لا أملَ لكم في النجاة، حتى الوحوش يجمعها الله ويجمع المختلفين منها.وَإِذَا ٱلْوُحُوشُ حُشِرَتْ } [التكوير: 5] والوحوش هي الحيوانات غير المستأنسة كالأسد والنمر وغيره، وكأن الحق سبحانه يريد أن يقول لنا: أنا الذي أذلل لك الخلق، ولولا أنني ذللته لك ما استطعتَ أنت تذليله، نعم ذلَّل لك الجمل رغم حجمه الكبير، لكن لم يذلل لك الثعبان الصغيرأَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ } [يس: 71-72]. والله لولا أن الله ذلَّل لنا هذه المخلوقات ما انتفعنا منها بشيء، لذلك نقول على غير المذلل: حيوان متوحش، ألاَ ترى الطفل والولد الصغير يقود الجمل الكبير ويحمله ويُنيخه ويُسيِّره حيث يريد، وأنت يزعجك البرغوث الصغير في الفراش ويمنعك النوم، إنها رسالة من الخالق سبحانه بأن الأمر أمرُ تذليل من الله. { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } [فصلت: 19] في الدنيا الوحوش تفر من الإنسان، ونحن نفرُّ من الوحوش، أما في القيامة فيجمع الله الجميع معاً في موقف واحد، كيف؟ لأنه لم يَعُدْ لأحد منا قوة تصرُّفلِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [غافر: 16] فلما صار الملك لله لم يَبْق فينا نحن المخلوقين تفاوت قوة تستضعف. وقوله { فَهُمْ يُوزَعُونَ } [فصلت: 19] يعني: يُساقون ويُقادون جميعاً إلى النار من أولهم إلى آخرهم { حَتَّىٰ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [فصلت: 20]. الله.. السمع وظيفة الأذن، والإبصار وظيفة العين، والأنف للشم، والكف للمس، فكل جارحة من جوارح الإنسان لها مهمة في حياته، لكن لم يذكر الحق منها هنا إلا ثلاثة فقط: السمع، والأبصار والجلود. ولم يذكر اليد ولا الأنف. قالوا: لأن التكليف في أمر الأنف نادر وقليل، كأنْ تشمّ رائحة الخمر مثلاً، والعياذ بالله، أو تشم رائحة امرأة متعطرة، إذن: فالأنف دوره محدود، أما السمع فهو أهم الحواس، لأنك تستقبل به الدعوة إلى الله، والبصر هو الذي تبصر به آيات الله في كونه وعجائبه في خَلْقه. أما الجلود فعامة في السمع والبصر وفي كل الحواس، فكأن الجلد أعمّ شيء في الحس، ولذلك لم بحثوا في وظائف الأعضاء ليعرفوا مهمة كل عضو في الإنسان وجدوا أهمها الجلد، لأنه وسيلة الإحساس بالألم خاصة في الطبقة الخارجية منه، ألاَ ترى أنك مثلاً حين تأخذ حقنة تشعر بألم الإبرة حين تدخل جسمك وتخترق الجلد، تؤلمك بقدر نفاذها في الجلد كأنَّ الجلد هو محلُّ الإذاقة، وما دام هو محل الإذاقة فهو إذن مستوعب لجميع الحواس. ولذلك يقول الحق سبحانه:كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ.. } [النساء: 56] إذن: فالجلد محلّ إذاقة العذاب والعياذ بالله، وهو المستوعب لكلِّ الحواس.