الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ فَقَضَٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ }

قوله { فَقَضَٰهُنَّ.. } [فصلت: 12] أي: جعل السماء وأبدعها وخلقها { سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ.. } [فصلت: 12] في مدة يومين حين نجمع هذين اليومين إلى الستة أيام السابقة تعطينا ثمانية أيام، إذن: خَلْق السماء والأرض كان في ثمانية أيام، لا في ستة كما قالت الآية. هذا جعل بعض المستشرقين يظنون هنا مأخذاً وتناقضاً في كلام الله، ولكن حاشا لله أن يكون في كلامه تناقض، لأن الإجمال ستة والتفصيل ثمانية، وحين تجد إجمالاً وتفصيلاً، فالتفصيل حجة على الإجمال لأنها أيام متداخلة، كيف؟ قالوا: لأن الله تعالى خلق الأرض في يومين، ثم جعل فيها رواسيَ، والرواسي من الأرض، وبارك فيها وقدَّر فيها أقواتها، هذا كله في الأرض، فحين يقولفِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ.. } [فصلت: 10] أي: في تتمة أربعة أيام. فمُجمل خَلْق الأرض في أربعة أيام، فاليومان الأولان داخلان في الأربعة أيام. كما تقول مثلاً: سِرْتُ إلى طنطا في ساعتين، وإلى الإسكندرية في أربع ساعات، فالساعتان الأوليان داخلتان في الأربع. إذن: خلق الله تعالى الأرض بما فيها من الرواسي في أربعة أيام، فإذا أضفنا يومين في خَلْق السماء كان المجموعفِي سِتَّةِ أَيَّامٍ.. } [الأعراف: 54]. وقوله: { وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا.. } [فصلت: 12] أي: جعل فيها ودبَّر فيها أمرها. يعني: بيَّن مهمتها وما فيها من وجوه الخير، ومَنِ الرسول الذي سيكون فيها.. إلخ وبيَِّن مهمتها التي تقوم عليها في هداية حركة الحياة. { وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ.. } [فصلت: 12] وهي الكواكب والنجوم التي تضيء في السماء كالمصابيح ومنها الشمس والقمر، وتجد أن نور الشمس غير نور القمر، نور الشمس يُسمَّى ضياءً. يعني: نور مع حرارة أما القمر فَلَه نور فقط، لذلك يُسمُّونه النور الحليم، لأنه خَال من الحرارة، لذلك قال تعالى:هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً.. } [يونس: 5]. وقال:سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً } [الفرقان: 61]. وقوله: { وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفْظاً.. } [فصلت: 12] السماء الدنيا هي السماء التي نباشرها نحن ونرى فيها النجوم، والمصباح يُقاد من ضوء الشمس حين ينعكس، فيعطي ضوءاً هادئاً نسميه ضوء حليم يعني: لا حرارة فيه. والحق سبحانه الذي خلق الخَلْق وهو أعلم بما يُصلحه علم أن له زمنين: زمناً للكدح والحركة، وزمناً للراحة والسكون، فالليل للسكون، والنهار للحركة، ولا يمكن أنْ تتحرك حركة قوية رشيدة إلا إذا كنتَ قد استوفيتَ أولاً نوماً هادئاً، وإلا من لم ينم ويسترح لا يقدر على العمل في الصباح، لكن بعض الحركات لا تكون إلا ليلاً. لذلك جعل لنا الخالق سبحانه ضوءاً يهدينا في ظلمة الليل مثل الونَّاسة كما نقول، فلا يمكن أن يتركنا في ظلمة نتخبط فيها، فنحطم الأضعف منا، أو يُحطمنا الأقوى.

السابقالتالي
2 3