الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوۤاْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }

هذا سير كما قلنا للاعتبار، والاعتبار هنا بمَنْ سبقهم من الأمم، يُبين لهم الحق سبحانه أنْ مَنْ سبقكم من الأمم المكذِّبة كانوا أكثر منكم عدداً، وأشدّ منكم قوة وآثاراً في الأرض، والآثار هي ما يتركه القوم بعدهم كالأهرام بالنسبة للفراعنة، مثلاً يبقيها اللهُ شاهدةً عليهم. وهناك آثار أخرى لم نَرَها لأنها مطمورة، لكن أخبرنا الله عنها كما في قوله سبحانه:أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ * ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ } [الفجر: 6-8] هذه آثار باقيةوَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ * وَبِٱلَّيلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [الصافات: 137- 138]. فأين أنتم أيها العرب من هذه الحضارات الذاهبة؟ لقد كان عليكم أن تفهموا الدرس من السابقين الذين كذَّبوا الرسل وعاندوهم، أخذهم الله وهم أقوى منكم وأشدّ ونصر رسله ومنهجه، وأنتم دون هؤلاء ولن تُعجزوا الله، بل إن مسألتكم أسهل. وقوله: { فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [غافر: 82] يعني: هذه الحضارات وهذه العمارة التي تُعدُّ إعجازاً لم نصل إلى سِرِّه حتى الآن، لم تنفع أصحابها. ولنتكلم عن آثارهم في مصر مثلاً، عندنا آثار الفراعنة في المعابد وفي الأهرام، رأينا الألوان على الجدران كما هي وكأنها منقوشة في العصر الحديث، رأينا بعض الحبوب كما هي وقالوا إنها صالحة للإنبات بعد هذه الآلاف من السنين، وتعلمون ما في بناء الأهرام من الأسرار التي لم نتوصل إليها حتى الآن. كل هذا التقدم لم يستطع أصحابه حمايته، ولم يستطيعوا الإبقاء على هذه الحضارة، ولا حتى استطاعوا أنْ يتركوا لنا ما يُفسِّرها، ولولا شامبليون فكَّ لنا رموز حجر رشيد لما استطعنا التوصل إلى هذا التاريخ ولا معرفته.