الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ أَنَّىٰ يُصْرَفُونَ } * { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِٱلْكِـتَابِ وَبِمَآ أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ }

قلنا: يجادلون في آيات الله، وهي على ثلاثة أنواع: آيات كونية كالشمس والقمر. وآيات المعجزات التي تصاحب بعثة الرسل. وآيات القرآن حاملة الأحكام. ورأينا أنهم جادلوا في المعجزات فقالوا عنها: سحر. وقالوا: شعوذة. وجادلوا في آيات الأحكام وقالوا: إنها غير مناسبة، أما الآيات الكونية، فليستْ محلاً للجدال. قوله: { أَنَّىٰ يُصْرَفُونَ } [غافر: 69] أي: يُصرفون عن الحق وهو واضح فأين عقولهم المفكرة { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِٱلْكِـتَابِ وَبِمَآ أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } [غافر: 70] قال: { كَذَّبُواْ.. } [غافر: 70] بزمن الماضي، لكن في الجزاء قال { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } [غافر: 70]. يعني: في المستقبل، قالوا: لأن الجزاء ليس بالضرورة أن يكون في نفس الوقت أو وهم موجودون في سعة الحياة الدنيا، يصح أن نؤخر لهم الجزاء في الآخرة. وكلمة سوف دلَّتْ على المستقبل سواء القريب في الدنيا أو البعيد في الآخرة، فإذا لم يدركهم العذاب في الدنيا فهو ينتظرهم في الآخرة، كما قال تعالى:فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } [غافر: 77]. الحق سبحانه وتعالى يريد أنْ يصلنا دائماً به وَصْلاً بحيث لا يأتي غيره على بالنا، هذا الوصل يجعلك حينما تأتي الأشياء لا تظن أنك أخذتها بذاتيتك، إنما هي موهوبة لك، وللواهب أن يرجع في هبته. ولذلك ينبهنا سبحانه فيقول:كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ } [العلق: 6-7] ثم يقول بعدها:إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰ } [العلق: 8] يعني: تذكَّر مردَّك إليه ووقوفك بين يديه. وقوله الكتاب أي: الذي أنزله الله حاملاً لمنهجه { وَبِمَآ أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا.. } [غافر: 70] أي: على ألسنة رسله، فإنْ قلت الكتاب هو ما أرسلنا به رسلنا، نقول: لا.. هناك فرق، فالكتاب هو المنهج، أما الرسول فقد أُرسل يحمل المنهج ويُبلِّغه وأُسْوة تطبيقه لذات المنهج كما قال سبحانه:لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.. } [الأحزاب: 21].