الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَمَّا جَآءَنِيَ ٱلْبَيِّنَـٰتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ }

قل الخطاب لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم { إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ.. } [غافر: 66] يعني: المسألة ليستْ من عندي، إنما هي نَهْي من الله جاءني في آيات بينات واضحات { وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } [غافر: 66] أي: أُسْلم قيادي وأمري لرب العالمين سبحانه. نعم، لأن الإنسان منا حتى في دنيا الناس حينما يكون لا يحسن شيئاً ولا تسعفه أسبابه يلجأ إلى مَنْ يقضي له حاجته ويقدر عليها، كما نذهب مثلاً للمحامي في رَفْع قضية أو نذهب للطبيب للتداوي.. إلخ لأنك لا تستطيع أنْ تدافع عن نفسك أمام القاضي، ولا تستطيع أن تداوي مرضك، فإذا ما ذهبتَ إلى واحد من هؤلاء فلا شكَّ أنك تسلم له زمام أمرك، وتَفوِّضه أنْ يفعل ما يراه صالحاً دون أنْ تناقشه أو تعترض عليه. إذن: معنى { أُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } [غافر: 66] يعني: إسلام الزمام من عاجز عن شيء لقادر على هذا الشيء، فإذا أمرك ربك أمراً فخذ الأمر من منطلق إيمانك به، كيف؟ قال: مثل حالي مع الطبيب حين يصف لي الدواء المناسب لحالتي لا أناقشه فيه، ولا أقول له: لم كتبت كذا وتركت كذا؟ حتى حين أسأل عن الدواء أقول: والله كتبهُ لي الطبيب، وألقى التبعة والمسئولية عليه. فإذا كنت تُسلم أمرك وزمامك للطبيب وهو بشرٌ مثلك يخطئ ويُصيب لأنك رأيت له حكمة فوق حكمتك وعلماً ليس عندك، كيف تفعل هذا معه ولا تفعله مع الله عز وجل، وهو العليم الحكيم القادر؟ إذن: ما أمرك به ربُّكَ فامتثل للأمر ونفِّذ دون نقاش أو اعتراض أو تبرُّم بما قضى عليك به. والحق سبحانه يعلمنا درس التسليم له سبحانه في قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام، وكيف أنه أسلم وجهه، وألقى زمام أمره لربه تعالى، حينما أمره بذبح ولده إسماعيل الذي لم يُرزق به إلا على كبر وبعد يأس، لذلك قال:ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى ٱلْكِبَرِ.. } [إبراهيم: 39]. أراد المفسرون تقريب هذا المعنى، فقالوا: المراد الحمد لله الذي وهب لي على الكِبَر، فجعلوا على بمعنى مع، وفرْقٌ بين كلمة من حرفين، وكلمة من ثلاثة أحرف، ولا يعدل القرآن الكريم عن الحرفين ويختار الثلاثة إلا لملحظ يحتاجه المعنى، فما هو؟ قالوا: معنى مع الكبر أي: مظنة ألاَّ ينجب، لكن مراد الله تعالى فوق هذه المظنة، يعني:ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى ٱلْكِبَرِ.. } [إبراهيم: 39] لا مع الكبر. كذلك في قصة سيدنا زكريا عليه السلام قال:أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ ٱلْكِبَرِ عِتِيّاً * قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ } [مريم: 8-9].

السابقالتالي
2 3