الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَـلَ لَكُـمُ ٱلأَرْضَ قَـرَاراً وَٱلسَّمَآءَ بِنَـآءً وَصَوَّرَكُـمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُـمْ وَرَزَقَكُـمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُـمْ فَتَـبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ }

قوله تعالى: { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَـلَ لَكُـمُ ٱلأَرْضَ قَـرَاراً } [غافر: 64] أي: مستقراً لكم تعيشون عليها، وكلمة لَكُمْ أي: لكل العباد، وهذه يشرحها قوله تعالى في سورة الرحمن:وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ } [الرحمن: 10] هكذا على العموم، فأيّ ارض وأي أنام؟ لم يحدد. إذن: فالأرض كل الأرض للأنام كل الأنام، لكن أهذا المبدأ هو واقع حياتنا؟ لا، وما حَلَّ الفساد بالعالم، وما وقع الناسُ في الأزمات وضيق العيش إلا بسبب عدم تطبيق هذا المبدأ. ففي الكون الآن أرض بلا رجال، وفي مناطق أخرى رجال بلا أرض، والسبب في ذلك تلك الحواجز التي وضعها البشر تحُول بين عباد الله وأرضه. ولك أنْ تقرأ قول الله تعالى:إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ قَالْوۤاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا.. } [النساء: 97]. لكن يا رب، كيف لنا أن نهاجر وقد جعلوا على الأبواب حواجزَ وسدوداً وحدوداً وقوانينَ للدخول ما أنزل الله بها من سلطان لذلك انظر إلى الخريطة وتأمل حدود الدول المختلفة تجدها حدوداً متداخلة وغير منظمة، وفي بعض المناطق تجد الحدود غير واضحة أو مُختلفاً عليها، وفي بعض البلاد تجد الحدود بؤراً للخلاف والنزاعات بين الدول. هذا إنْ دلَّ فإنما يدلّ على أن الأرض أرضٌ واحدة للجميع، لما طرأ عليها الإنسان قسَّمها وجعل عليها حدوداً، خلقها الله واحدة منفتحة واسعة، حتى إذا ضاقتْ عليك الأسبابُ في بقعة منها فاذهب إلى أخرى وانطلق في أرض الله، وإذا لم يطبق هذا المبدأ الإلهي فلن تحلَّ مشاكلنا، وسوف تظلّ الأزمات تطحن الناس. والاستقرار في الأرض على نوعين: استقرار للحياة والحركة، واستقرار للراحة والهدوء، فالواحد منا له بيت يعيش فيه ويأوي إليه وهو مُستقره ومكان راحته ومبيته، لذلك نسميه بيتاً. وله أرض يسعى فيها ويطلب الرزق والحركة لذلك قال سيدنا إبراهيم:رَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ } [إبراهيم: 37] وقال:رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً } [البقرة: 126] فالأولى قرار للمبيت وللراحة، والأخرى قرار للحركة والسعي. وتلحظ أن قرار المبيت والراحة خاصّ بك، أما قرار الحركة فمشترك مع غيرك، وأن الأرض ليست قراراً لك في حياتك الدنيا فحسب، إنما هي قرار لك حتى بعد موتكمِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ } [طه: 55]. وقوله تعالى: { وَٱلسَّمَآءَ بِنَـآءً } [غافر: 64] أي: بناءً محكماً لا اختلالَ فيه، والبناء معروف أنه يقوم على عمد تحمله لذلك قال تعالى:بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا } [الرعد: 2] إما بغير عمد موجودة أصلاً، أو يوجد عمد تحملها لكنكم لا ترونها، فالعمد موجودة لكن لا تدركها حواسُّكم. فالسماء محمولة بقدرة الله سبحانه، ولم لا والأرض التي نعيش عليها ما هي إلا كُرة مُعلّقة في الهواء، فَلِمَ لا تقع رغم ثقلها؟ اقرأ:

السابقالتالي
2