الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ خَـٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } * { كَذَلِكَ يُؤْفَكُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ }

قوله تعالى: { ذَٰلِكُمُ } [غافر: 62] إشارة إليه سبحانه. أي: الذي فعل لكم كذا وكذا، وتفضَّل عليكم هو الله ربكم { خَـٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ } [غافر: 62] وهذه مسألة لم ينكرها أحد، ولم يدَّعها أحدٌ لنفسه { لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [غافر: 62] هكذا حكم بها الحق سبحانه لنفسه بأنه لا إله إلا هو. إذن: فأنت تؤمن بالله، والله سبحانه آمن بذاته، وشهد لنفسه بهذا، شهد لنفسه أنه لا إله إلا هو قبل أنْ يشهد بها أحد، لذلك يطلق سبحانه كلمة كُنْ، ويعلم أنها نافذة لأنها كلمته وليس لها معارض، وليس هناك إله آخر يردّها أو يُعدِّلها أو يعترض عليها. قال تعالى:شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [آل عمران: 18] قالوا: شهد الله لنفسه سبحانه شهادةَ الذات للذات، وشهدت الملائكة شهادةَ المشهد، وشهد أولو العلم شهادة الاستدلال. والحق سبحانه ساعة يقول { خَـٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ } [غافر: 62] يطلقها هكذا قضية عامة على إطلاقها، نقول: إما أنْ تكون قضية صادقة أو غير ذلك - وحاشا لله - فإنْ كانت صادقة فقد ثبتت الحجة، وإنْ كانت غير ذلك فأين خالق كل شيء؟ أين خالق هذا الكون إذا لم يكُنْ الله هو خالقه؟ مَنْ هو؟ ولماذا سكت ولم يخبر عن نفسه؟ إنْ كان لا يدري بوجود الله فهو إله نائم غافل لا يصلح للألوهية، وإنْ كان يدري بوجود الله الذي أخبر هذا الخبر ولم يعارضه فهو عاجز، والإله لا يكون أبداً عاجزاً. لذلك قال سبحانهُ مؤكِّداً على صحة هذه القضية:قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً } [الإسراء: 42] يعني: لذهبوا إلى الإله الحق ليناقشوه كيف أخذ منهم الخَلْق؟ وكيف ادعاه لنفسه؟ وهذا لم يحدث. وقوله: { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } [غافر: 62] أي: تُصرفون عن الحق الذي يقول به العقل وتثبته الحجج والبراهين والواقع، فالحق في هذه القضية واضح، وقد أطلقت هذه القضية وأخبرت بها ولم يَقُمْ لها معارض، ولم يدَّعها أحدٌ لنفسه، ومعلوم أن القضية تثبت لصاحبها ما دام ليس لها معارضٌ. وسبق أنْ أوضحنا هذه المسألة وقلنا: هَبْ أن جماعة جلسوا في مكان، ولما انصرفوا وجد صاحب المكان محفظة نقود فقال لخادمه: ابحث عن صاحب هذه المحفظة، فأخذ الخادم يتصل بهم واحداً واحداً فلم يقُلْ أحد منهم أنها لي، ثم طرق البابَ واحدٌ منهم. وقال: والله لقد نسيتُ محفظتي هنا، فلمن تكون إذن؟ تكون لمن ادَّعاها إلى أنْ يظهر مُدَّعٍ آخر. وقوله: { كَذَلِكَ يُؤْفَكُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } [غافر: 63] أي: يُصرفون عن هذا الحق الواضح البيِّن، ومعنى يجحدون الآيات.

السابقالتالي
2 3