الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُواْ سَاحِرٌ كَـذَّابٌ } * { فَلَمَّا جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ ٱقْتُلُوۤاْ أَبْنَآءَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ وَٱسْتَحْيُواْ نِسَآءَهُمْ وَمَا كَـيْدُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ }

الحق سبحانه يذكر هنا قصة سيدنا موسى عليه السلام لأنها امتازت على قصص الرسل السابقين له، من حيث إنهم جاءوا ليشفوا الناس من بعض الأمراض العقدية، ويخرجوهم من جاهلية افعل ولا تفعل، ويعيدوهم إلى الجادة، أمَّا سيدنا موسى فقد جاء ليجابه رجلاً ادعى الألوهية وتكبَّر وتجبَّر فكانت مهمته أصعب، لذلك كان أكثر الرسل قصصاً في القرآن الكريم. قوله تعالى: { بِآيَاتِنَا.. } [غافر: 23] المراد الآيات الواضحات التسع التي أُوتيها موسى عليه السلام، تأييداً له وبرهاناً على صِدْق رسالته وأولها العصا، وللعصا في قصة سيدنا موسى تاريخ ومواقف، فبها ضرب البحر فصار كل فِرْق كالطود العظيم بها انفلق البحر وتجمد الماء، وبنفس العصا ضرب الحجر فانفجرتْ منه اثنتا عشر عيناً، إذن: المسألة ليست في الماء والجبل، إنما معجزة خالق الماء وخالق الجبل الذي يقول للشيء: كُنْ فيكون. لذلك وقف المستشرقون عند قصة سيدنا موسى، ورأوا أنها أخذتْ النصيب الأوفر بين موكب الرسالات وفصَّلها القرآن تفصيلاً ظنوه تكراراً معاداً، خاصة في مسألة العصا، حيث ذُكرت في ثلاثة مواقف، هي في الحقيقة ليست تكراراً إنما هي لقطات مختلفة لحدث متجمع، فأول ما أعطى الله موسى العصا معجزةً سأله عنها:وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ } [طه: 17-18]. وقلنا: إن موسى لم يرد على قدر السؤال لأن الذي يسأله ربه فأراد أنْ يطيل أَمَد الحديث مع ربه عز وجل، فلم يَقُلْ عصا أو عصاي، فلما أحسَّ أنه أطال أجمل وقال:وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ } [طه: 18]. الموقف الثاني الذي ذُكِرت فيه العصا لما أراد الحق سبحانه أن يدرب موسى على استخدامها، وأنْ يجربها هو بنفسه ليكون على استعداد ودُرْبة حينما يواجه مُدَّعي الألوهية فرعون فقال له:قَالَ أَلْقِهَا يٰمُوسَىٰ * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ * قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا ٱلأُولَىٰ } [طه: 19-21]. هذا هو المطلوب من إجراء هذه التجربة أمام موسى، أن يخاف منها، وأنْ يراها على حقيقتها وهي حية، ولو أنها ظلتْ على حالتها عصا ما خاف منها موسى، ولما قال له ربهوَلاَ تَخَفْ.. } [طه: 21]. ثم كان الموقف الأخير للعصا حين التقى موسى بسحرة فرعون وفي حضرته حين جابه سِحْرهم بعصاه التي ألقاها فراحتْ تلقف ما صنعوا، وعن هذا الموقف قال تعالى:قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ * قَالَ بَلْ أَلْقُواْ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ * قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلأَعْلَىٰ } [طه: 65-68]. إذن: ليس في ذكر عصا موسى تكرار، إنما هي مواقف مختلفة وحالات عِدَّة للشيء الواحد.

السابقالتالي
2