الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ }

الدعاء: هو إظهار الذلة والخضوع لله تعالى، لماذا؟ لأن من الناس مَنْ تمرَّد على الله وتكبَّر على الطاعة، وتعالى على أنْ يظهر لله الخضوع فحين يرى منكم الذلةَ والخضوع لله ويرى الإخلاص في العبادة يعلم أن هذا التمرد ليس طَبْعاً في الإنسان، بل هو طبْع هواه بدليل أن من الناس مَنْ ذَلَّ وخضع، ومن الناس مَنْ يدعو ربه ويخلص له ويطيعه. إذن: ليس التمردُ خاصية لازمة للإنسان بل هو خاصية في المتمرد فقط، إنما الإنسان حينما يكون على طبيعته وفطرته لابد له أنْ يلجأ إلى الله ويستعين به، لذلك ادعوا الله مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون منكم هذا الدعاء. وقلنا في فضل الدعاء أنه " مخ العبادة " ، والدعاء ما هو إلا ذلة عابد لعزة معبود، مجرد إظهار الذلة بصرف النظر عما يترتب على الدعاء، وإلا فالحق سبحانه أعطاك قبل أنْ تدعوه، وخلق لك قبل أن توجد، لذلك ليس من اللازم أن يستجيب الله لكل مَنْ يدعوه، وكأنه سبحانه يقول لنا: تنبَّهوا إلى أن منكم مَنْ يدعو فلا أستجيب له، وأنا حين لا أستجيب له أمنحه العطاء الأعلى لأنه قد يدعو بالشر دعاءه بالخير، ويطلب الشيء وهو لا يعرف أن فيه هلاكه. وسبق أنْ ضربنا لذلك مثلاً بالأم التي تدعو على ولدها حين الغضب تقول إلهي أشرب نارك، فما موقف هذه الأم لو أن الله استجاب لها؟ إذن: الحق سبحانه علم أنها حمقاء في دعائها، وأنها دَعَت بِشَرٍّ تظنه خيراً فصوَّب لها الدعاء لذلك قلنا في الثناء عليه سبحانه: سبحانك يا مَنْ تُصوِّب خطأ الداعين بألاَّ تجيب، وبذلك حميتنا من الضر، فكَمْ يدعو الإنسان بالشر دعاءه بالخير؟ وفي هذه الآية { فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ } [غافر: 14] حَثٌّ لنا على كيد الكافرين وإغاظتهم بإظهار الذلة لله والخضوع له سبحانه، فهذه المسألة تكيدهم، لأنها تظهر لهم عِزَّ الربوبية والكبرياء لله تعالى الذي كفروا به، وتعالَوْا على طاعته، وتكبَّروا عليه سبحانه، لذلك داوموا على الدعاء أمامهم وأروُهُمْ من أنفسكم منتهى الذلة لله.