الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُـمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى ٱلإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ }

لو تتبعنا هذه المسألة من أولها نجد أن الحق سبحانه دعا الخلق بواسطة رسله ومنهجه إليهم، فمنهم مَن استجاب فآمن، ومنهم مَنْ كفر { إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى ٱلإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ } [غافر: 10] وهؤلاء الذين لم يستجيبوا لداعي الحق أرادوا ألاَّ يرتبطوا بمنهج الله في افعل ولا تفعل وألاَّ يُضيِّقوا على أنفسهم بالالتزام بالمنهج، وأنْ يسيروا في الدنيا على هواهم، هذا الذي دعاه إلى أنْ يكفر. فحين يعاين العذاب في الآخرة يندم ساعةَ لا ينفع الندم، ويكره نفسه أشد الكره، لأنها لم تتبع منهج الإيمان. هذا معنى قوله سبحانه: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُـمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى ٱلإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ } [غافر: 10] والمقت أشد البغض. أراد الحق سبحانه أن يقول لهم: إنْ كنتم كرهتم أنفسكم أشد الكره لأنها لم تؤمن بمحمد وبمنهج الحق الذي جاء به، فاعلموا أن مقْتَ الله لكم لكفركم به أشدّ وأعظم من مقتكم لأنفسكم، إنكم مقتّم أنفسكم لأنها حرمتكم الخير وجلبتْ لكم الشر حين كفرتْ بالله. والحق سبحانه يمقتكم لأنكم أبعدتم أنفسكم عن مجال الخير منه وخرجتم من حضنه ودائرة رحمته، لأنه سبحانه يغضب أشدّ الغضب حين يخرج عنده عن ساحته ويحرم نفسه من خيره، وهذا يعني أنَّ ربك يحبك ويحب لك الخير ويريدك في جنبه وفي معيته ويَغار عليك حين تشرد أو تشذ عن منهجه، فأنت عبده وصنعته. فكَأن مقته سبحانه للكافر رحمةٌ به وغيرة عليه. لذلك قال سبحانه في الحديث القدسي: " لو خلقتموهم لرحمتموهم ". إذن: الحق سبحانه أثبت أولاً بُغْضهم لأنفسهم، ثم بيَّن لهم بَغْضه سبحانه للكافر أشدّ من هذا.