الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً }

الحق هنا يريد أن يربب معنى الحياة. فما معنى: { حُيِّيتُم.. } [النساء: 86]؟ الكلام السطحي الأولي فيها: إذا حياك واحد وقال لك: " السلام عليكم " أن ترد السلام. وكان العرب قديماً يقولون: حياك الله. وبعد أن جاء الإسلام جعل التحية في اللقاء هي السلام:تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ.. } [الأحزاب: 44]. أو كما قال الحق في موقع آخر:فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ.. } [النور: 61]. ولنفهم معنى كلمة " حياك ". مادة الكلمة هي " الحاء " ، و " الياءان " ، ومنها كلمة " حياة " ، التي منها حياتنا. والحياة إذا نظرنا إليها قد تأخذ معنىً سطحياً عند الناس وهو ما نشأ عنه الحس الحركي وهي أول ظاهرة فينا، وبعد ذلك في الحيوان، وإن ارتقيت في الفهم تجد أن كلمة " الحياة " تنتظم كل أجناس الوجود حتى الجماد، لكن الإنسان لا يتعرف إلى الحياة إلا في المظهر الحسي والحركي، ولكن لكل كائن حياة تناسبه. وعندما كانوا يعلموننا في المدارس علم المغناطيسية كنا نرى تجربة المغناطيس ونأتي بقضيب مغناطيسي، ثم نأتي ببرادة الحديد، ونسير به في اتجاه واحد وذلك حتى نرتب الجزئيات ترتيباً يتناسب مع اتجاه المغناطيسية في القضيب الحديدي. هذا القضيب الذي نراه مادة جامدة في نظرنا، ولكن توجد فيها ذرات دون إدراك الإنسان تتكيف بحركة خاصة بها، ويُعاد ترتيب السالب منها والموجب ولا توجد قدرة عند المشاهد لها كي يدرك حركتها. وحتى يقربها المدرسون إلى ذهن التلاميذ، جاءوا بأنبوبة زجاجية ووضعوا فيها برادة الحديد وجاءوا بالقضيب الممغنط ومرّروه بجانب البرادة، فرأى التلاميذ البرادة وهي تتقافز إلى أن تستقر، وهنا يتعلم التلاميذ أن برادة الحديد غير الممغنطة عندما يمر عليها القضيب الممغنط في اتجاه واحد فذراتها تترتب على أساس واضح، حتى تصير ممغنطة. وهذا دليل الحس فقد انقلبت السوالب في جهة والموجبات في جهة، فالقضيب المغناطيسي له حركة ولكننا لا ندرك حسه ولا حركته لأننا لا نملك المقاييس اللازمة لذلك. ومثال آخر: لنفترض أننا نتحرك وجاءت طائرة من أعلانا والتقطت صورة لنا. وعندما يأخذون الصورة من قريب، فهم يرون الحركة، لكن كلما ابتعدت الطائرة فنحن لا نرى الحركة حتى تصير نقطة بعيدة وكأنها ثابتة. وهي ليست ثابتة، وإنما هي متحركة بصورة دقيقة جداً لدرجة أنها لا تُدرك. فكل شيء - إذن فيه حياة خاصة تناسبه، وكل شيء له الحس والحركة الخاصة به. وعندما نأتي للقرآن، نرى كيف عالج هذه القضية فيقول:كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ.. } [القصص: 88]. استثنى القول وجه الله. أي ذاته، فكل شيء ما عداه هالك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6