الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً }

الحق سبحانه وتعالى يربي الأمة الإيمانية على أسلوب يضمن ويؤمّن لهم سرّية حركتهم خاصة أنهم قوم مقبلون على صراع عنيف ولهم خصوم أشداء، فيريبهم على أن يعالجوا أمورهم بالحكمة لمواجهة الجواسيس. فيقول: { وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ.. } [النساء: 83]. أي إذا جاءهم خبر أمر من الأمور يتعلق بالقوم المؤمنين أو بخصومهم، وعلى سبيل المثال: يسمعون أن النبي عليه الصلاة والسلام سيخرج في سرية إلى المنطقة الفلانية، وقبيلة فلان تنتظره كي تنضم إليه، وعندما يسمع الضعاف المنافقون هذا الخبر يذيعونه، فيحتاط الخصوم بمحاصرة القبيلة التي وعدت الرسول أن تقاتل معه كي لا تخرج، أو يقولون مثلاً: إن النبي سيخرج ليفعل كذا فيذيعوا أيضاً هذا الخبر! فأوضح لهم الحق: لا تفعلوا ذلك في أي خبر يتعلق بكم كجماعة ارتبطت بمنهج وتريد لهذا المنهج أن يسيطر لأن هذا المنهج له خصوم. إياكم أن تسمعوا أمراً من الأمور فتذيعوه قبل أن تعرضوه على القائد وعلى مَنْ رأى القائد أنهم أهل المشورة فيه، فقوله: { وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلأَمْنِ.. } [النساء: 83] يقصد به أن المسألة تكون في صالحهم { أَوِ ٱلْخَوْفِ.. } [النساء: 83] أي من عدوهم { أَذَاعُواْ بِهِ.. } [النساء: 83]. كلمة " أذاعه " غير كلمة " أذاع به " ، فـ " أذاعه " يعني " قاله " ، أما " أذاع به " فهي دليل على أنه يقول الخبر لكل مَنْ يقابله، وكأن الخبر بذاته هو الذي يذيع نفسه، فهناك أمر تحكيه وتنتهي المسألة، أما " أذاع به " فكأن الإذاعة مصاحبة للخبر وملازمة له تنشره وتخرجه من طيّ محدود إلى طي غير محدود، أو من آذان تحترم خصوصية الخبر إلى آذان تتعقب الخبر، ثم يقول: { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ.. } [النساء: 83] فالرسول أو من يحددهم الرسول صلى الله عليه وسلم هم الذين لهم حق الفصل فيما يقال وما لا يقال: { لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ.. } [النساء: 83] والاستنباط مأخوذ من " النَبْط " وهو ظهور الشيء بعد خفائه، واستنبط أي استخرج الماء مجتهداً في ذلك والنَبَط هو أول مياه تخرج عند حفر البئر فنقلت الكلمة من المحسات في الماء إلى المعنويات في الأخبار، وصرنا نستخدم الكلمة في المعاني، وكذلك في العلوم. مثلما تعطي الطالب مثلاً تمريناً هندسياً، وتعطيه معطياته، ثم يأخذ الطالب المعطيات ويقول بما أن كذا = كذا.. ينشأ منه كذا، فهو يستنبط من موجودٍ معدوماً. وهنا يوضح الحق لهم: إذا سمعتم أمراً يتعلق بالأمن أو أمراً يتعلق بالخوف، فإياكم أن تذيعوه قبل أن تعرضوه على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تعرضوه على أولياء الأمر الذين رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم بعض السلطة فيه لأنهم هم الذين يستنبطون.

السابقالتالي
2 3