الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلاَفاً كَثِيراً }

وإذا سمعت كلمة { أَفَلاَ.. } [النساء: 82] فاعلم أن الأسلوب يقرّع من لا يستعمل المادة التي بعده. { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ.. } [النساء: 82] أي كان الواجب عليهم أن يتدبروا القرآن، فهناك شيء اسمه " التدبر " ، وشيء اسمه " التفكر " ، ثالث اسمه " التذكر " ، ورابع اسمه " العلم " ، وخامس اسمه " التعقل " ، ووردت كل هذه الأساليب في القرآن،أَوَلاَ يَعْلَمُونَ } [البقرة: 77]،أَفَلاَ يَعْقِلُونَ } [يس: 68]،لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } [البقرة: 221]،أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ } [الأنعام: 50]. هي إذن تدبر، تفكر، تذكر، وتعقل، وعلم. وحين يأتي مخاطبك ليطلب منك أن تستحضر كلمة " تدبر " فمعنى هذا أنه واثق من أنك لو أعملت عقلك إعمالاً قوياً لوصلت إلى الحقيقة المطلوبة، لكن الذي يريد أن يغشك لا ينبه فيك وسائل التفتيش، مثل التاجر الذي تدخل عنده لتشتري قماشاً، فيعرض قماشه، ويريد أن يثبت لك أنه قماش طبيعي وقوي وليس صناعياً، فيبله لك ويحاول أن يمزقه فلا يتمزق، إنه ينبه فيك الحواس الناقدة، فإذا نبه فيك الحواس الناقدة فمعنى ذلك: أنه واثق من أن إعمال الحواس الناقدة في صالح ما ادعاه، ولو كان قماشه ليس في صالح ما ادعاه لحاول خداعك، لكنه يقول لك: انظر جيداً وجرب. والحق يقول: { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ.. } [النساء: 82] والتدبر هو كل أمر يُعرض على العقل له فيه عمل فتفكر فيه لتنظر في دليل صدقه، هذه أول مرحلة، فإذا ما علمت دليل صدقة فانظر النتيجة التي تعود عليك لو لم تعملها و " تتدبر " تعني أن تنظر إلى أدبار الأشياء وأعقابها، فالرسول يبلغك: الإله واحد، ابحث في الأدلة بفكرك، فإذا ما انتهيت إليها آمنت بأن هناك إلهاً واحداً. وإياك أن تقول إنها مسألة رفاهية أو سفسطة لأنك عندما تنظر العاقبة ماذا ستكون لو لم تؤمن بالإله الواحد. سيكون جزاؤك النار. إذن فتدبرت تعني: نظرت في أدبار الأشياء وحاولت أن ترى العواقب التي تحدث منها، وهذه مرحلة بعد التفكر. فالتفكر مطلوب أن تتذكر ما عرفته من قبل إن طرأ عليك نسيان. فالتفكر يأتي أولاً وبعد ذلك يأتي التدبر. وأنت تقول - مثلاً - لابنك: لكي يكون مستقبلك عالياً وتكون مهندساً أو طبيباً عليك أن تذاكر وتجتهد، فيفكر الولد في أن يكون ذا مكانة مثل المتفوقين في المهن المختلفة في المجتمع، ويبذل الجهد. إذن فأول مرحلة هي: التفكر، والثانية هي: التدبر، فإذا غفلت نقول لك: تذكر ما فكرت فيه وانتهيت إليه وتدبر العاقبة، هذه كلها عمليات عقلية: فالتفكير يبدأ بالعقل، والعقل ينظر أيضاً في العاقبة ثم تعمل الحافظة لتذكرك بما فات وبما كان في بؤرة الشعور ثم انتقل إلى حاشية الشعور، فإذا فهمت ما عقله غيرك فقد علمت ما عقله فلان.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9