الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ ٱلَّذِي تَقُولُ وَٱللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً }

هنا يوضح الحق لرسوله: ستتعرض لطائفة من أمة الدعوة وهم الذين أمرك الله أن تدعوهم إلى الدخول في الإسلام، - أما أمة الإجابة فهم الذين استجابوا لله وللرسول وآمنوا فعلا - إن هؤلاء يقولون لك حين تأمرهم بشيء أو تطلب منهم شيئاً أمراً أو نهياً: " يقولون طاعة " يعني: أمرنا وشأننا طاعة، أي أمرك مطاع، { فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ ٱلَّذِي تَقُولُ.. } [النساء: 81]، ويقال: برز أي خرج للبَرَاز، والبَرَاز هي: الأرض الفضاء الواسعة، ولذلك يقول المقاتل لمن يتحداه: ابرز لي، أي اخرج من الكن أو الحصن، وكان العرب سابقاً لا يقضون حاجتهم في بيوتهم، فإذا أرادوا قضاء حاجتهم ذهبوا إلى الغائط البعيد، وجاء من هذه الكلمة لفظ يؤدي قضاء الحاجة في الخلاء. { فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ } [النساء: 81] أي خرجوا، فهم يديرون أمر الطاعة التي أمروا بها في رءوسهم فيجدونها شاقة، فيبيتون أن يخالفوا، ونعرف أن كلمة " بَيْت " تعني المأوى الذي يؤوي الإنسان. وأحسن أوقات الإيواء هو الليل، فسموا البيت الذي نسكنه " مبيتاً " لأننا نبيت عادة في البيت المقام في مكان والمكون من حجرات والمستور، ويقولون: هذا الأمر بُيِّت بليل، أي دبروه في الليل، وهل المراد ألا يبيتوا في النهار؟ لا، لكن الشائع أن يبيتوا في ليل. يفعلون ذلك وهم بعيدون عن الأعين، فيدبرون جيداً وإن كان المقصود هو التبييت في ظلام فهذا المعنى يصلح أيضاً، وإن كان سراً فالمعنى يصح أيضاً. إذن فالأصل في التبييت إنما يكون في البيت. والأصل أن تكون البيتوتة ليلاً، ومدار المادة كلها الاستخفاء، فإذا بُيت في ظلام نقول: إنه بُيت بليل، وإذا بُيِّتَ سراً نقول: بُيِّتَ بليل أيضاً. { وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ ٱلَّذِي تَقُولُ.. } [النساء: 81] أي إنهم إذا ما خرجوا بيتوا أمراً غير الذي تقول، فهم يعلنون الطاعة باللسان بينما يكون سلوكهم على العكس من ذلك، فسلوكهم هو العصيان أو { طَاعَةٌ.. } [النساء: 81] غير الذي تقولها. فإن قلت: افعلوا فلن يفعلوا، وإن قلت: لا تفعلوا فهم يفعلون عكس ما تأمر به. إنهم يطيعون أهواءهم وشياطينهم. { وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ ٱلَّذِي تَقُولُ.. } [النساء: 81] يعني قالت طائفة: أمرنا وشأننا طاعة لما تقول: أو أطعناك طاعة ولكنهم يبيتون غير ما تقول فهم إذن على معصية. { وَٱللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ.. } [النساء: 81] وسبحانه يكتب نتيجة علمه، وجاء بكلمة { يَكْتُبُ.. } [النساء: 81] حتى يعلموا أن أفعالهم مسجلة عليهم بحيث يستطيعون عند عرض كتابهم عليهم أن يقرأوا ما كتب فيه، فلو لم يكن مكتوباً فقد يقولون: لا لم يحدث، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر من هذه الطائفة، لأنها ستثبط أمر الدعوة، لذلك يوضح الحق: إنك لن تُنصَرَ بمن أرسلت إليهم وإنما تنصر بمَنْ أرسلك، فإياك أن ينال ذلك من عزيمتك أو يثبطها نحو الدعوة.

السابقالتالي
2