الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً }

والطاعة للرسول هي طاعة لله، وذلك أمر منطقي لأنه رسول، فمَنْ أطاع الرسول فطاعته طاعة لله لأن الرسول إنما يبلغ عمن أرسله. ولذلك ففي المسائل الذاتية التي كان يفعلها سيدنا رسول الله كبشر وبعد ذلك يطرحها قضية من عنده كبشر، وعندما يثبت عدم صحتها يعطينا رسول الله مثالاً عن أمانته. فعن أنس رضي الله عنه، " أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ بقوم يُلَقّحون، فقال: لو لم تفعلوا لصلح، قال: فخرج شيصا، فمّر بهم، فقال: مَالِنَخْلِكم؟ قالوا: قلت: كذا وكذا، قال: " أنتم أعلم بأمر دنياكم ". أي في المسائل الخاضعة للتجربة في المعمل والتي لا دخل للسماء فيها. أما الأمور الخاضعة لنواميس الكون فلا يتركها للعباد. ومن العجيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يتصرف في شيء لم يكن لله فيه حكم مسبق وبعدله له الله بينه وبين نفسه فمحمد هو الذي يبلغنا بهذا التعديل لنشهد - واقعا - أنه صادق في البلاغ عن الله ولو كان على نفسه. وجاءت هذه الآية الكريمة بعد قول الحق سبحانه:وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } [النساء: 79]. والرسول - كما نعلم - هو من بلغ عن الله شرعه الذي يريد أن يحكم به حركة حياة الخليفة في الأرض وهو الإنسان. وإذا ما نظرنا إلى المادة المأخوذة من الراء والسين واللام وجدنا الحق سبحانه وتعالى يقول في آية أخرى.وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ.. } [الحج: 52]. إذن فالرسول قد يكون رسولاً بالمعنى المفهوم لنا، وقد يكون نبياً، كلاهما مرسل من الله. ولكن الفارق أن الرسول يجيء بشرع يؤمر به ويؤمر هو - أيضاً - بتبليغه للناس ليعملوا به، ولكن النبي إنما يرسله الله ليؤكد سلوكاً نموذجياً للدين الذي سبقه فهو مرسل كأسوة سلوكية. ولكن الرسول على إطلاقه الاصطلاحي يأتي بمنهج جديد قد يختلف في الفروع عن المنهج الذي سبقه. وكلاهما رسول هذا يجيء بالمنهج والسلوك ويطبقه، والنبي يأتي بالسلوك فقط يطبقه ليكون نموذجاً لمنهج سبقه به رسول. وإذا كان الحق سبحانه وتعالى قد أرسل الرسل، وجعل خاتم الرسل سيدنا محمدا فمعنى ذلك أن رسالته صلى الله عليه وسلم ستكون رسالة لا استدراك للسماء عليها، فكيف يعقل أن تكون رسالته موضوعاً لاستدراك البشر عليها؟ فما دام الله قد ختم به الرسالة، وأنزل عليه قوله:ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً } [المائدة: 3] إذن فلم يعد للسماء استدراك على هذه الرسالة، فكيف يأتي بعد ذلك إنسان معاصر أو غير معاصر ليقول: لا، إننا نريد أن نستدرك كذا أو نقول: الحكم كذا أو هذا الحكم لا يلائم العصر إذا كان الله لم يجعل للسماء استداركاً على الرسالة لأن الله أكملها وأتمها فكيف يسوغ للبشر أن يكونوا مستدركين على الرسالة؟.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7