الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }

هذه الآية كثر كلامنا فيها، وفي كل مناسبة من المناسبات جاء الكلام عنها، ولكن علينا أيضاً أن نعيد بشيء من الإيجاز ما سبق أن قلناه فيها، الله سبحانه وتعالى يقول: { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ.. } [النساء: 59]، ولماذا أطيع الله وأطيع الرسول؟ لأن فيه الحيثيات المقدمة، فأنت عندما ترى حكماً من القاضي تجد أن هناك حيثيات الحكم أي التبرير القانوني للعقوبة أو للبراءة فيقول القاضي: بما أنه حدث كذا فقانونه كذا حسب المادة كذا، هذه هي الحيثيات. و " الحيثيات " مأخوذة من: حيث إنه حدث كذا فحكمنا بكذا. أو حيث إنه لم يحدث كذا فحكمنا بكذا، إذن فحيثيات الحكم معناها: التبريرات التي تدل على سند الحكم لمن حكم. هنا يقول سبحانه: { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ.. } [النساء: 59]. وهل الحق سبحانه وتعالى قال: يا أيها الناس أطيعوا الله وأطيعوا الرسول؟ لا، لم يقل ذلك، لقد قال: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ.. } [النساء: 59]. إذن فما دمت قد آمنت بالله إلهاً حكيماً خالقاً عالماً مكلِّفاً فاسمع ما يريد أن يقوله لك، فلم يكلف الله مطلق أناس بأن يطيعوه، إنما دعا مطلق الناس أن يؤمنوا به. ومَنْ يؤمن يقول له: أطعني ما دمت قد آمنت بي. إذن فحيثية الطاعة لله وللرسول صلى الله عليه وسلم نشأت من الإيمان بالله وبالرسول. وهذه عدالة كاملة لأنه سبحانه لا يكلف واحداً أن يفعل فعلاً إلا إذا كان قد آمن به - سبحانه - مكلِّفاً، آمن به أمراً، أما الذي لا يؤمن به فهو لا يقول له: افعل كذا ولا تفعل كذا، إنه سبحانه يطالبه أن يؤمن به أولاً، فإذا ما آمن به يقول له: استمع إلي، ولذلك تجد كل تكليف يصدر بقوله سبحانه: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ.. } [النساء: 59]. إن حيثية إطاعة الله وإطاعة الرسول هي: الإيمان به، هذه هي الحيثية الإيمانية الأولى، أما إن جال ذهنك لتدرك سر الطاعة، فهذا موضوع آخر، ولذلك أوضح: إياكم أن تقبلوا على أحكام الله بالبحث فيها أولاً فإن اقتنعتم بها أخذتموها وإن لم تقتنعوا بها تركتموها، لا. إن مثل هذا التصرف معناه أنك شككت في الحكم. بل عليك أن تقبل على تنفيذ أحكامه لأنه سبحانه قالها وأنت مؤمن بأنه إله حكيم، لكن هل ذلك يمنع عقلك من أن يجول ليفهم الحكمة؟ نقول لك: أنت قد تفهم بعض الحكمة، ولكن ليست كل الحكمة لأن كمالات حكمة الله لا تتناهى، فقد تعرف جزءاً من الحكمة وغيرك يعرف جزءاً آخر، ولذلك قالوا: إن الفرق بين أمر البشر للبشر، وأمر الله للمؤمنين به شيء يسير جداً هو: أمر الله للبشر تسبقه العلة وهي أنك آمنت به، أما أمر البشر للبشر فأنت تقول لمن يأمرك: أقنعني لماذا أفعل هذه؟ لأن عقلك ليس أرقى من عقلي.

السابقالتالي
2 3 4 5