الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً }

هذه من أرجى الآيات في كتاب الله، ولذلك فحينما سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما موجبات الإيمان؟ أي: ما الذي يعطينا الإيمان؟ فقال صلى الله عليه وسلم: " مَنْ قال لا إله إلا الله دخل الجنة ". وعن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة ". ونحن نقول إن مَنْ يشرك بالله فهو يرتكب الخيانة العقدية العظمى، وقد أخذنا هذا المصطلح من القوانين الوضعية، وإن كانت القوانين الوضعية ليس غرضها أن تؤكد قضايا دينية، لكن غفلتهم تجعلنا نلتقط منها أنها تؤكد القضايا الدينية أيضاً. هَبْ أن جماعة قاموا بحركة، وبعد ذلك استغل واحد منهم الحركة في نفع خاص له، وواحد آخر استغل الحركة في أن تكون له لا للآخر، أي ينقلب عليه، فالأول القائم على النظام يسميها خيانة عظمى، أما مَنْ لا يقاوم بغرض خلع الحاكم ولكنّه يظلم الناس فقد يعاقبه الحاكم على ما حدث منه وليس على الخيانة العظمى. إذن: ففي قانون البشر أيضاً خيانة عظمى، وفيه انحراف وهو الذي لا يتعرض للسيادة، لكن أي حركة تتعرض للسيادة يكون فيها قطع رقاب، وكل أمر آخر إنما يؤخذ بدرجة من العقوبة تناسب ذنبه. فالحق سبحانه وتعالى يوضح: أصل القضية الإيمانية أن الله سبحانه وتعالى يريد منكم أن تعترفوا بأنه الإله الواحد الذي لا شريك له، وحين تعترف بأنه الإله الواحد الذي لا شريك له. فأنت تدخل حصن الأمان. ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: " أشهد ألا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شَاكٍّ منهما إلا دخل الجنة ". وأبو ذر عندما قال للنبي في محاورة بينهما حول هذه الآية، قال له: " ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال وإن زنى وإن سرق، قلت وإن زنى وإن سرق؟ قال وإن زنى وإن سرق ثلاثا ثم قال في الرابعة: على رغم أنف أبي ذر ". لقد كان أبو ذر غيوراً على حدود الله، فهل ساعة قال رسول الله: على رغم أنف أبي ذر هل هذه أحزنت أبا ذر؟ لا، لم تحزنه، ولذلك عندما كان يحكيها ويقولها: مَنْ قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن رغم أنف أبي ذر وهو مسرور، لماذا؟ لأنها فتحت باب رحمة الحق، لأنه إذا لم يكن هذا فما الفارق بين مَنْ اعتقدها وقالها وبين مَنْ لم يقلها؟ فلا بد أن يكون لها تمييز.

السابقالتالي
2 3 4