الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ يَشْتَرُونَ ٱلضَّلَٰلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ }

حين يريد الحق سبحانه وتعالى أن يؤكد قضية من قضايا الكون ليمهد لقضية من قضايا العقائد التي تحرس نظام الكون فهو يخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: " ألم تر ". والرؤية عمل العين - وعمل العين متعلق بانكشاف الأحداث التي تتعرض لها العين - والشيء المرئي دليله معه لأن الشيء المسموع دليله يؤخذ من صدق قائله، وصدق قائله أمر مظنون، أيكذب أم يصدق؟ أما المرئي فدليله معه ولذلك قالوا: ليس مع العين أين، أي أنك إذا رأيت شيئاً فلا تقل: أين هو، وليس الخبر كالعيان، فالخبر الذي تسمعه ليس كالمشاهدة، إذن فالمشاهدة دليلها معها، فلا يقال: دلل على أن فلاناً يلبس جلباباً أبيض وأنت تراه. إذن فحين يريد الحق أن يؤكد قضية يقول: أرأيت. ولذلك فأنت إذا حدثت إنساناً عن انحراف إنسان آخر. قد يصدقك وقد لا يصدقك، لكن إذا ما رأيت الإنسان يلعب ميسراً أو يشرب خمراً ثم تقول لمن حدثته من قبل: أرأيت من قلت لك عليه، كأن الرؤية دليل. والحق سبحانه وتعالى حين يخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: " أرأيت " ننظر إلى الأمر، فإذا كان مشهوداً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يراه بذلك تكون " أرأيت " على حقيقتها، كما يقول له:أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يَنْهَىٰ * عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ } [العلق: 9-10]. هو صلى الله عليه وسلم قد رآه، فتكون " أرأيت " على حقيقتها أم ليست على حقيقتها؟ ولماذا يأتي بهمزة الاستفهام " أرأيت " على الرغم من أنه صلى الله عليه وسلم قد رأى من ينهى إنساناً عن الصلاة ولماذا لم يقل: " رأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى " ، لا لأن الحق يريد أن يؤكد الخبر بمراحل. فمرة يكون الخبر خبراً تسمعه الأذن، ومرة يكون رؤية تراه، ومرة لا يقول له: أنت رأيت، ولكن يستفهم منه بـ " أرأيت " لكي ينتظر منه الجواب. وبذلك يأتي الجواب من المخاطب نفسه وليس من المتكلم، وهذه آكَد أنواع البيان وآكد ألوان التحقيق، فحين يخاطب الحق سبحانه وتعالى بقوله: " أرأيت " نقول: أكان ذلك مشهداً لرسول الله رآه، فتكون الرؤية على حقيقتها. فإذا كان الأمر لم يكن معاصراً لرسول الله ثم يخاطب الله رسوله بقوله:أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ } [الفيل: 1]. ونعلم أن أصحاب الفيل كانوا عام ميلاده صلى الله عليه وسلم، فهو حين يخاطب رسوله لم يكن المشهد أمامه، فـأَلَمْ تَرَ.. } [الفيل: 1] هنا بمعنى أعلمت. ولماذا عدل هنا عن أعلمت إلى قوله:أَلَمْ تَرَ.. } [الفيل: 1]؟. لأن الحق سبحانه وتعالى حين يخاطب رسوله بأمر منه فهو يوضح له: إن أخبرتك بشيء فاعلم أني أصدق من عينك، فإذا قال سبحانه:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد