الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَٰعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً }

والظلم: الأصل فيه محبة الانتفاع بجهد غيره، فعندما تظلم واحداً فهذا يعني أنك تأخذ حقه، وحقه ما جاء به بجهده وعرقه، وتأخذه أنت بدون جهد ولا عرق. ويتبع هذا أن يكون الظالم قوياً. لكن ماذا عن الذي يظلم إنساناً لحساب إنسان آخر؟ إنه لم ينتفع بظلمه ولكن غيره هو الذي انتفع. وهذا شرّ من الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله عليه السلام قال: " بادروا بالأعمال ستكون فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا ". لأنه ظلم إنساناً لنفع عبد آخر ولم يأخذ هو شيئاً لنفسه. إذن فالظلم إما أن يكون الانتفاع بثمرة جهد غيرك من غير كد، وإما أن تنفع شخصاً بجهد غيره، والله سبحانه وتعالى إذا نظرنا إليه - وهو قوة القوى - إذا أراد أن يظلم - وحاشا لله أن يظلم - فماذا يكون شكل ظلمه؟ إن الظلم يتناسب مع قوة الظالم، إذن فقوة القوى عندما تظلم فظلمها لا يُطاق، ثم لماذا يظلم؟ وماذا يريد أن يأخذ وهو مَنْ وهب؟ إنه سبحانه مستغنٍ، ولن يأخذ من هذا ليعطي ذاك، فكلهم بالنسبة له سواء لأنه سبحانه لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً، كلهم متساوون، فلماذا يظلم؟ إن الظلم بالنسبة لله محال عقلياً ومحال منطقياً،، فلا يمكن لله أن يضيع عمل حسنة ولا أن يضاعف سيئة. فهذه لا تتأتى، وتلك لا تتأتى، والله واهب كل النعم للناس جميعاً. وما دام هو مَنْ وهب كل النعم، فسبحانه غير منتفع بآثاره في خلقه. إن الحق سبحانه وتعالى ينفي عن نفسه الظلم في قوله:وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } [فصلت: 46]. فكلمة " ظلاّم " مثل قولنا: فلان " أكّال " وفلان " نوّام " وهي تختلف عن قولنا: فلان نائم، يعني نام مرة، ولكن " نوام " فهذا يعني مداومته على النوم كثيراً، أي أنه إما أن يكون مبالغاً في الحدث، وإما أن يكون مكرراً للحدث، فالمبالغة - كما نعرف - تأتي مرة لأن الحدث واحد لكنه قوي، ومرة يكون الحدث عادياً لكنه مكرر، هذه هي المبالغة، فقوله سبحانه وتعالى:وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } [فصلت: 46] نفي للمبالغة، وهذا لا يقتضي نفي غير المبالغة. ونقول: الله لو ظلم لكان ظلمه مناسباً قدرته فيكون كبيراً كثيراً، ولو كان ظالماً لشمل ظلمه وعَمّ الخلق جميعاً فيكون كذلك كبيراً كثيراً ولكن الله - سبحانه - يقول: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ.. } [النساء: 40]. وسبحانه يحسب السيئة سيئة واحدة. أما الحسنة فيضاعفها، { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6