الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً }

والمقصود بـ { صَدُقَاتِهِنَّ.. } [النساء: 4] هو المهور، و " النِّحلة " هي العطية، وهل الصداق عطية؟ لا. إنه حق وأجر بضع. ولكن الله يريد أن يوضح لنا: أي فليكن إيتاء المهور للنساء نحلة، أي وازع دين لا حكم قضاء، والنحلة هي العطية. وانظر إلى اللمسات الإلهية والأداء الإلهي للمعاني، لأنك إن نظرت إلى الواقع فستجد الآتي: الرجل يتزوج المرأة، وللرجل في المرأة متعة، وللمرأة أيضاً متعة أي أن كُلاً منهما له متعة وشركة في ذلك، وفي رغبة الإنجاب، وكان من المفترض ألا تأخذ شيئاً، لأنها ستستمتع وأيضاً قد تجد ولداً لها، وهي ستعمل في المنزل والرجل سيكدح خارج البيت، ولكن هذه عطية قررها الله كرامة للنساء { وَآتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَة.. } [النساء: 4] والأمر في { آتُواْ.. } [النساء: 4] لمَنْ؟ إما أن يكون للزوج فقوله: { وَآتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَاتِهِنَّ.. } [النساء: 4] يدل على أن المرأة صارت زوجة الرجل، وصار الرجل ملزماً بالصداق ومن الممكن أن يكون ديناً إذا تزوجها بمهر في ذمته يؤديه لها عند يساره، وإمّا أن يكون الأمر لولي أمرها فالذي كان يزوجه أخته مثلاً، كان يأخذ المهر له ويتركها دون أن يعطيها مهرها، والأمر في هذه الآية - إذن - إما أن يكون للأزواج وإما أن يكون للأولياء. وحين يُشَرِّع الحق لحماية الحقوق فإنه يفتح المجال لأريحيات الفضل. لذلك يقول: { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } [النساء: 4]. لقد عرّف الحق الحقوق أولاً بمخاطبة الزوج أو ولي الأمر في أن مهر الزوجة لها لأنه أجر البضع. ولكنه سبحانه فتح باب أريحية الفضل فإن تنازلت الزوجة فهذا أمر آخر، وهذا أدعى أن يؤصل العلاقة الزوجية وأن يؤدم بينهما. والمراد هنا هو طيب النفس، وإياك أن تأخذ شيئاً من مهر الزوجة التي تحت ولايتك بسبب الحياء، فالمهم أن يكون الأمر عن طيب نفس. { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } [النساء: 4] والهنيء هو الشيء المأكول وتستسيغه حين يدخل فمك. لكنك قد تأكل شيئاً هنيئاً في اللذة وفي المضغ وفي الأكل ولكنه يورث متعبة صحية. إنه هنيء لكنه غير مريء. والمقصود هو أن يكون طيب الطعم وليس له عواقب صحية رديئة. وهو يختلف عن الطعام الهنيء غير المريء الذي يأكله الإنسان فيطلب من بعده العلاج. إذن فكل أكل يكون هنيئاً ليس من الضروري أن يكون مريئاً. وعلينا أن نلاحظ في الأكل أن يكون هنيئاً مريئاً. والإمام عليّ - رضوان الله عليه وكرم وجهه - جاء له رجل يشتكي وجعاً، والإمام عليّ - كما نعرف - مدينة العلم والفتيا، وهبه الله مقدرة على إبداء الرأي والفتوى.

السابقالتالي
2