الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ وَكَانَ ٱللَّهُ بِهِم عَلِيماً }

وقوله سبحانه: { وَمَاذَا عَلَيْهِمْ.. } [النساء: 39] وأي تبعه ومشقة وضرر عليهم من الإيمان والإنفاق في سبيل الله؟ إنه سبحانه لم يستفهم منهم عما يصيبهم من ذلك ولكنه - جل شأنه - يَذُمُّهُمْ ويوبخهم ويصفهم ويصمهم بالجهل والغفلة عما ينفعهم. فالتلميذ الذي يلعب، فيرسب تقول له: وماذا عليك لو أنك ذاكرت؟! يعني أي ضرر عليك في هذا، إذن فمعنى ذلك أنها لا تقال إلا لإنسان في قدرته أن يفعل الفعل، فمثل هذا التلميذ يقدر أن يذاكر. لكننا لا نأتي لإنسان فيه صفة لا دخل له فيها كالقصر في القامة مثلاً ثم نقول لك: ماذا عليك لو كنت طويلاً؟! هذا قول لا ينفع ولا يصح. إذن فماذا عليك. لا تقال إلا لمن في قدرته الاختيارية أن يكون كذلك، أما مَنْ لا يكون في قدرته ألا يكون كذلك فلا تقال له. ونقول ذلك لأن طائفة الجبريّة قالت: إن الذي كفر لا يقدر أن يؤمن فالكافر يظل كافراً، لكنهم لم يلتفتوا إلى قول ربنا: { وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ.. } [النساء: 39] فمعنى هذا القول أن الباب مفتوح. وإلا لو كانوا ملزمين بالكفر لما قال ربنا: { وَمَاذَا عَلَيْهِمْ.. } [النساء: 39] وهذه الآية لا ترد فقط على مذهب الجبريَّة، بل تهدم مذهب الجبريَّة كله. فالإنسان ليس مجبراً على فعل وتنتهي المسألة، وكما يقولون: كالريشة في مهب الريح. ومثلما قال الشاعر:
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له   إياك إياك أن تبتل بالماء
نقول لهم: أنتم نسبتم لله - والعياذ بالله - الظلم، فالله سبحانه وتعالى لم يطلب من الإنسان أن يؤمن به إلا وقد أودع فيه قوة اختيارية تختار بين البديلات. وأنتم لم تفطنوا إلى حقيقة كتابة كل شيء أزلاً فأخذتم منها الشيء الذي لا بد للناس أن تنفذه، ولم تلتفتوا إلى أن هناك فرقاً بين أن يكون قد كتب ليلزم، وأن يكون قد كتب لأنه علم. هو سبحانه كتب لماذا؟ لأنه علم أزلاً أن عبده سيختار كذا ويختار كذا. إذن فالكتابة ليست للإلزام ولكن لسبق العلم. والعلم صفة انكشاف لا صفة تأثير. وحتى نوضح ذلك نقول: إن الصفات نوعان: صفة تكشف الأشياء على ما هي عليه بصرف النظر عن أن تقهر أو لا تقهر، والقدرة صفة إبراز وليست صفة انكشاف، ومثال ذلك عميد الكلية الذي يأتي فيقول لأستاذ مادة من المواد: جاءت لي مكافأة للطالب النابغ في مادة كذا، فاصنع اختباراً للطلاب حتى نعطي هذه الجائزة لمن يستحقها. فيقول أستاذ المادة: لا ضرورة للاختبار لأنني أعلمهم وأعرف مواقعهم من الجدّ ومواقعهم من الاجتهاد ومواقعهم من فقه العلم، فلان هو الأول وأعطه الجائزة، فلا يقتنع عميد الكلية، ويضع هو اختباراً أو يأتي بأساتذة آخرين يضعون الاختبار دون هذا الأستاذ.

السابقالتالي
2