الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ }

هنا يؤكد الحق الأمر بأن ابتعدوا عن اليتامى. فاليتيم مظنة أن يُظلم لضعفه، وبخاصة إذا كان أنثى. إنّ الظلم بعامة محرم فى غير اليتامى، ولكن الظلم مع الضعيفة كبير، فهي لا تقدر أن تدفع عن نفسها، فالبالغة الرشيدة من النساء قد تستطيع أن تدفع الظلم عن نفسها. وقوله الحق: { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ.. } [النساء: 3] من " أقسط " أي عدل، والقسط من الألفاظ التي تختلط الأذهان فيها، و " القسط " مرة يطلق ويراد به " العدل " ، إذا كان مكسور القاف، ولذلك يأتي الحق سبحانه فيقول:شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيم } [آل عمران: 18]. وهكذا نعرف أن كلمة " قسط " تأتي مرة للعدل ومرة للجور. فـ " قَسَطَ " " يَقْسطُ " " قَسْطَا " و " قُسوطاً " أي ظَلَم بفتح القاف في " قَسطٍ " وضمها في " قُسوط ". والقِسط بكسر القاف هو العدل، والقَسط بفتح القاف - كما قلنا - هو الظلم وهناك مصدر ثان هو " قسوط " لكن الفعل واحد، وعندما يقول الحق: { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ.. } [النساء: 3] من أقسط. أي خفتم من عدم العدل وهو الظلم. وهناك في اللغة ما نسميه همزة الإزالة، وهي همزة تدخل على الفعل فتزيله، مثال ذلك: فلان عتب على فلان، أي لامه على تصرف ما، ويقال لمن تلقى العتاب عندما يرد على صاحب العتاب: أعتبه، أي طمأن خاطره وأزال مصدر العتاب. ويقال: محمد عتب على عليّ. فماذا كان موقف عليّ؟ يقال: أعتب محمداً أي طيب خاطره وأزال العتاب. ويقال أعجم الكتاب. فلا تفهم من ذلك أنه جعل الكتاب معجماً، لا، فأعجمه أي أزال إبهامه وغموضه. كذلك " أقسط " أي أزال القَسْط والظلم. إذن " القِسط " هو العدل من أول الأمر، لكن " أقسط. إقساطا " تعني أنه كان هناك جور أو ظلم وتم رفعه. والأمر ينتهي جميعه إلى العدل. فالعدل إن جاء ابتداء هو: قِسط بكسر القاف. وإن جاء بعد جور تمت إزالته فهو إقساط. فحين يقال " أقسط " و " تقسطوا " بالضم، فمعناها أنه كان هناك جور وظلم تم رفعه، ولذلك فعندما نقرأ القرآن نجده يقول:وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } [الجن: 15]. والقاسطون هنا من القسط - بالفتح - ومن القسوط بالضم، أي من الجور والظلم، ونجد القرآن الكريم يقول أيضاً:وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } [المائدة: 42]. أي أن الله يجب الذين إن رأوا ظلماً أزالوه وأحلوا محله العدل.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9