الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَآءَ سَبِيلاً }

فكأن هذه مسألة كانت موجودة، كان ينكح الولد زوج أبيه التي هي غير أمه. و " صفوان بن أمية " وهو من سادة قريش قد خلف أباه أمية بن خلف على " فاختة بنت الأسود بن المطلب " كانت تحت أبيه، فلما مات أبوه تزوجها هو، ويريد الحق سبحانه وتعالى أن يبعد هذه القضية من محيط الأسرة، لماذا؟ لأن الأب والابن لهما من العلاقات كالمودَّة والرحمة والحنان والعطف من الأب، والبر والأدب، والاستكانة، وجناح الذل من الابن، فحين يتزوج الرجل امرأة وله ابن، فذلك دليل على أن الأب كان متزوجاً أمه قبلها، وكأن الزيجة الجديدة طرأت على الأسرة. وسبحانه يريد ألا يجعل العين من الولد تتطلع إلى المرأة التي تحت أبيه، ربما راقته، ربما أعجبته، فإذا ما راقته وأعجبته فأقل أنواع التفكير أن يقول بينه وبين نفسه: بعدما يموت أبي أتزوجها، فحين يوجد له الأمل في أنه بعدما يموت والده يتزوجها، ربما يفرح بموت أبيه، هذا إن لم يكن يسعى في التخلص من أبيه، وأنتم تعلمون سعار الغرائز حين تأتي، فيريد الحق سبحانه وتعالى أن يقطع على الولد أمل الالتقاء ولو بالرجاء والتمني، وأنه يجب عليه أن ينظر إلى الجارية أو الزوجة التي تحت أبيه نظرته إلى أمه، حين ينظر إليها هذه النظرة تمتنع نزغات الشيطان. فيقول الحق: { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ.. } [النساء: 22] والنكاح هنا يُطلق فينصرف إلى الوطء والدخول، وقد ينصرف إلى العقد، إلا أن انصرافه إلى الوطء والدخول - أي العملية الجنسية - هو الشائع والأوْلى، لأن الله حينما يقول:ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً.. } [النور: 3] معناها أنَّه ينكح دون عقد وأن تتم العملية الجنسية دون زواج. والحق هنا يقول: { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ.. } [النساء: 22] فما هو السلف هذا؟ إن ما سلف كان موجوداً، أي جاء الإسلام فوجد ذلك الأمر متبعاً، وجاء الإسلام بتحريم مثل هذا الأمر. فالزمن الجديد بعد الإسلام لا يحل أن يحدث فيه ذلك وإن كان عقد النكاح قد حدث قبل الإسلام، ولذلك قال - سبحانه -: { إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ.. } [النساء: 22] فجاء بـ ما وهي راجعة للزمن. كأن الزمن الجديد لا يوجد فيه هذا. هب أن واحداً قد تزوج بامرأة أبيه ثم جاء الحكم. أيقول سلف أن تزوّجتها قبل الحكم! نقول: لا الزمن انتهى، إذن فقوله: { مَا قَدْ سَلَفَ.. } [النساء: 22] يعني الزمن، وما دام الزمن انتهى يكون الزمن الجديد ليس فيه شيء من مثل تلك الأمور. لذا جاءت ما ولو جاءت مَن بدل ما لكان الحكم أن ما نكحت قبل الإسلام تبقى معه، لكنه قال { إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ.

السابقالتالي
2