الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَٰقاً غَلِيظاً }

فلو أدركتم كل الكيفيات فلن تجدوا كيفية تبرر لكم الأخذ، لماذا؟ لأن الحق قال: { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ.. } [النساء: 21] وانظر للتعليل: { وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ.. } [النساء: 21]. إذن فثمن البُضْع هو الإفضاء، وكلمة { أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ.. } [النساء: 21] كلمة من إله لذلك تأخذ كل المعاني التي بين الرجل والمرأة و " أفضى " مأخوذة من " الفضاء " والفضاء هو المكان الواسع، و { أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ.. } [النساء: 21] يعني دخلتم مع بعض دخولاً غير مضيق. إذن فالإفضاء معناه: أنكم دخلتم معاً أوسع مدَاخَلة، وحسبك من قمة المداخلة أن عورتها التي تسترها عن أبيها وعن أخيها وحتى عن أمها وأختها تبينها لك، ولا يوجد إفضاء أكثر من هذا، ودخلت معها في الاتصال الواسع، أنفاسك، ملامستك، مباشرتك، معاشرتك، مدخلك، مخرجك، في حمامك، في المطبخ، في كل شيء حدثت إفضاءات، وأنت ما دمت قد أفضيت لها وهي قد أفضت لك كما قال الحق أيضاً في المداخلة الشاملة:هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ.. } [البقرة: 187]. أي شيء تريد أكثر من هذا!؟ ولذلك عندما تشتد امرأة على زوجها، قد يغضب، ونقول له: يكفيك أن الله أحل لك منها ما حرمه على غيرك، وأعطتك عرضها، فحين تشتد عليك لا تغضب، وتذكَّر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ". { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً } [النساء: 21] والميثاق هو: العهد يؤخذ بين اثنين، ساعة سألت وليها: " زوجني " فقال لك: زوجتك، ومفهوم أن كلمة الزواج هذه ستعطي أسرة جديدة، وكل ميثاق بين خلق وخلق في غير العرض هو ميثاق عادي، إلا الميثاق بين الرجل والمرأة التي يتزوجها فهذا هو الميثاق الغليظ، أي غير اللين، والله لم يصف به إلاَّ ميثاق النبيين فوصفه بأنه غليظ، ووصف هذا الميثاق بأنه غليظ، ففي هذه الآية { أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ.. } [النساء: 21] فهنا إفضاء وفي آية أخرى يكون كل من الزوجين لباساً وستراً للآخرهُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ.. } [البقرة: 187] لهذا كان الميثاق غليظاً، وهذا الميثاق الغليظ يحتم عليك إن تعثرت العشرة أن تتحملها وتعاملها بالمعروف، وإن تعذرت وليس هناك فائدة من استدامتها فيصح أن تستبدلها، فإن كنت قد أعطيتها قنطاراً إياك أن تأخذ منه شيئاً، لماذا؟ لأن ذلك هو ثمن الإفضاء، وما دام هذا القنطار هو ثمن الإفضاء وقد تم، فلا تأخذ منه شيئاً، فالإفضاء ليس شائعاً في الزمن كي توزعه، لا. والحق يقول: { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً } [النساء: 21] هنا يجب أن نفهم أن الحق حين يشرع فهو يشرع الحقوق، ولكنه لا يمنع الفضل، بدليل أنه قال:

السابقالتالي
2 3