الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ ٱلآنَ وَلاَ ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }

هنا يوضح الحق أن توبة هؤلاء الذين يعملون السيئات لم توجد من قريب، وهم يختلفون عن الذين كتب الله قبول توبتهم، هؤلاء الذين يعيشون وتستحضر نفوسهم قِيَم المنهج، إلا أن النفوس تضعف مرة. أما الذين لا يقبل منهم التوبة فهم أصحاب النفوس التي شردت عن المنهج في جهات متعددة، وهم لم يرتكبوا " سوءاً " واحداً بل ارتكبوا السيئات. فالذي ارتكب سوءاً واحداً فذلك يعني أنه ضعيف في ناحية واحدة ويبالغ ويجتهد في الزوايا والجوانب الأخرى من الطاعات التي لا ضعف له فيها ليحاول ستر ضعفه. إنك ترى أمثال هذا الإنسان في هؤلاء الذين يبالغون في إقامة مشروعات الخير، فهذه المشروعات تأتي من أناس أسرفوا على أنفسهم في ناحية لم يقدروا على أنفسهم فيها فيأتوا في نواحي خير كثيرة، ويزيدوا في فعل الخير رجاء أن يمحو الله سيئاتهم التي تركوها وأقلعوا وتابوا عنها. ومن ذلك نعلم أن أحداً لا يستطيع أن يمكر مع الله فالذي أخذ راحته في ناحية، يوضح له الله: أنا سآتي بتعبك من نواحٍ أخرى لصالح منهجي، ويسلط الله عليه الوهم، ويتخيل ماذا ستفعل السيئة به، فيندفع إلى صنع الخير. وكأن الحق يثبت للمسيء: أنت استمتعت بناحية واحدة، ومنهجي وديني استفادا منك كثيراً، فأنت تبني المساجد والمدارس وتتصدق على الفقراء، كل هذا لأن عندك سيئة واحدة. إذن فلا يمكن لأحد أن يمكر على الله، وعبر القرآن عن صاحب السيئة بوصف هذه الزلة بكلمة " السوء " ، ولكنه وصف الشارد الموغل في الشرود عن منهج الله بأنه يفعل " السيئات " ، فهو ليس صاحب نقطة ضعف واحدة، لكنه يقترف سيئات متعددة، ويمعن في الضلال، ولا يقتصر الأمر على هذا بل يؤجل التوبة إلى لحظة بلوغ الأجل، بل إنهم قد لا ينسبون الخير الصادر منهم إلى الدين مثلما يفعل الملاحدة، أو الجهلة الذين لا يعلمون بأن كل خير إنما يأمر به الدين. مثال ذلك مذهب " الماسونية " ، يقال: إن هذا المذهب وضعه اليهود، والظاهر في سلوك الماسونيين أنهم يجتمعون لفعل خير ما يستفيد منه المجتمع، وما خفي من أفعال قمة أعضاء الماسونية أنهم يخدمون أغراض الصهيونية، وقد ينضم إليهم بعض ممن لا يعرفون أهداف الماسونية الفعلية ليشاركوا في عمل الخير الظاهر. ونقول لكل واحد من هؤلاء: انظر إلى دينك، وتجده يحضك على فعل مثل هذا الخير، فلماذا تنسبه إلى الماسونية ولا تفعله على أنه أمر إسلامي. ولماذا لا تنسب هذا الخير إلى الإسلام وتنسبه لغير الإسلام؟ وفي هذا العصر هناك ما يسمّى بأندية " الروتاري " ويأخذ الإنسان غرور الفخر بالانتماء إلى تلك الأندية، ويقول: " أنا عضو في الروتاري " وعندما تسأله: لماذا؟ يجيب: إنها أندية تحض على التعاون والتواصل والمودة والرحمة، ونقول له: وهل الإسلام حرم ذلك؟ لماذا تفعل مثل هذا الخير وتنسبه إلى " الروتاري " ، ولا تفعل الخير وتنسبه إلى دينك الإسلام؟ إذن فهذا عداء للمنهج.

السابقالتالي
2