الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ إِنَّمَا ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ ٱنتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً }

يبدأ الحق بأمر موجه لأهل الكتاب: { لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ } والغلو هو الخروج عن حد الاعتدال في الحكم، لأن كل شيء له وسط وله طرفان، وعندما يمسك شخص طرفاً نطلب منه ألا يكون هناك إفراط أو تفريط. وقد وقع أهل الكتاب في هذا المأزق، فلم يأخذوا الأمر بالاعتدال دون إفراط أو تفريط، لقد كفر اليهود بعيسى واتهموا مريم بالزنا، وهذا غلو في الكُرْه، وغالى النصارى في الحب لعيسى فقالوا: إنه إله أو ابن إله أو ثالث ثلاثة وهذا غلو، ويطلب الحق منهم أن يقفوا من أمر الدين موقف الاعتدال: { لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ }. إن أمر المنهج لا يحتاج إلى غلو، ولذلك جاء محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله بالدين الوسط الذي يضع كل أمر في نصابه. وشرح لنا بإخبارات النبوة وإلهامها ما سوف يحدث للإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وقد حدث ما تنبأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالخوارج كفَّروا علياً، والمسرفون بالتشيع قالوا: إنه نبي، وبعضهم زاد في الإسراف فجعله إلهاً. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعليّ - كرم الله وجهه -: " إن فيك من عيسى مثلا. أبغضته اليهود حتى بهتوا أُمَّهُ، وأحبته النصارى حتى أنزلوه المنزل الذي ليس له ". وكما قال سيدنا علي - كرم الله وجهه -: " ألا وإنه يهلك فيّ اثنان: محبٌ يقرظني بما ليس فيّ، ومبغض يحمله شنآني على أن يبهتني، ألا إني لست بنبيّ ولا يوحى إليّ، ولكني أعمل بكتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ما استطعت، فما أمرتكم من طاعة الله فحق عليكم طاعتي فيما أحببتم وكرهتم ". وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عليّاً أن المحب الذي يغالي في حبه ليس مع عليّ وكذلك الكاره المبغض فالذي يحب عليا بغلو جعل منه إلهاً أو رسولاً، والذي أبغض علياً جعله كافراً. وكذلك النصارى من أهل الكتاب جاءوا إلى عيسى فأحبوه بغلو وجعلوه إلهاً أو ابن إله أو ثالث ثلاثة، فيقول لهم الحق: { لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ إِنَّمَا ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ }. وقوله الحق: { عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ } رد على غلو اليهود الذين رفضوا الإيمان بعيسى، وقالوا في عيسى وأمه البهتان العظيم. وقوله الحق عن عيسى ابن مريم: { رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ } رد على غلو النصارى الذين نصبوه إلهاً أو جعلوه ابناً لله أو ثالث ثلاثة، فعيسى عليه السلام هو ابن مريم وعندما بشرها به الحق وقالت:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8