الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـٰئِكَ يَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً }

ولنلتفت إلى دقة الأداء القرآني، هو سبحانه يقول: { إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ.. } [النساء: 17] وقد يقول واحد: ما دام الحق شرع التوبة، فلأفعل ما أريد من المعاصي وبعد ذلك أتوب. نقول له: إنك لم تلتفت إلى الحكمة في إبهام ساعة الموت، فما الذي أوحى لك أنك ستحيا إلى أن تتوب؟ فقد يأخذك الموت فجأة وأنت على المعصية، وعليك أن تلتفت إلى دقة النص القرآني: { إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـٰئِكَ يَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } [النساء: 17]. وفعل السوء بجهالة، أي بعدم استحضار العقوبة المناسبة للذنب، فلو استحضر الإنسان العقوبة لما فعل المعصية. بل هو يتجاهل العقوبة لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ". فلو كان إيمانه صحيحاً ويتذكر تماماً أن الإيمان يفرض عليه عدم الزنَى، وأن عقوبة الزنَى هي الجلد أو الرجم، لما قام بذلك الفعل. والحق قد قال: { إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ.. } [النساء: 17] فهناك مَنْ يفعل المعصية ويخطط لها ويفرح بها ويُزْهَى بما ارتكب ويفخر بزمن المعصية، وهناك مَنْ تقع عليه المعصية وبمجرد أن تنتهي يظل نادماً ويضرب نفسه ويعذبها ويتساءل لماذا فعلت ذلك؟ وأضرب مثلاً للتمييز بين الاثنين، نجد اثنين يستعد كل منهما للسفر إلى باريس، واحد منهما يسأل قبل سفره عن خبرة مَنْ عاشوا في عاصمة فرنسا، ويحاول أن يحصل على عناوين أماكن اللهو والخلاعة، وما إن يذهب إلى باريس حتى ينغمس في اللهو وعندما يعود يظل يفاخر بما فعل من المعاصي. وأما الآخر فقد سافر إلى باريس للدراسة، وبيْنما هو هناك ارتكب معصية تحت إغراء وتزيين، إذن هو إنسان وقعت عليه المعصية ودون تخطيط، وبعد أن هدأت شِرَّة الشهوة غرق في الندم، وبعد أن عاد استتر من زمن المعصية. هكذا نرى الفارق بين المخطط للمعصية وبين مَنْ وقعت عليه المعصية. والله سبحانه حين قدَّر أمر التوبة على خلقه رحم الخلق جميعاً بتقنين هذه التوبة، وإلا لغرق العالم في شرور لا نهاية لها، بداية من أول واحد انحرف مرة واحدة فيأخذ الانحراف عملاً له، والمهم في التائب أن يكون قد عمل السوء بجهالة، ثم تاب من قريب. والرسول صلى الله عليه وسلم حين حدد معنى { مِن قَرِيبٍ.. } [النساء: 17] قال: إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. والحوار الذي دار بين الحق وبين إبليس:

السابقالتالي
2 3 4