الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً }

ونلاحظ أن الآية تبدأ بواو العطف على ما قبلها، وهو قوله الحق:فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ ٱللَّهِ وَقَتْلِهِمُ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً * وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً } [النساء: 155-156] ويعطف سبحانه على جرائمهم هذه الجريمة الجديدة: { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ } وأكثر ما يدهش في هذا القول هو كلمة { رَسُولَ ٱللَّهِ } ، فهل هي هنا من قولهم؟ إن كانوا قد قالوها فهذا دليل اللجاجة المطلقة، ولو قالوا: إنهم قتلوه فقط لكان الجرم أقل وطأة، ولكن إن كانوا قد عرفوا أنه رسول الله وقتلوه فهذا جرم صعب للغاية. أو أن كلمة { رَسُولَ ٱللَّهِ } هنا في هذه الآية ليست من مقولهم الحقيقي وإنما من مقولهم التهكمي. وأضرب المثل لأوضح هذا الأمر.. كأن يأتي شخص ذو قوة هائلة ومشهور بقوته ويأتي له شخص آخر ويضربه ويهزمه ويقول لجماعته: لقد ضربت الفتى القوي فيكم. إذن قد يكون قولهم: { رَسُولَ ٱللَّهِ } هو من قبيل التهكم، أو أن كلمة { رَسُولَ ٱللَّهِ } هنا هي من قول الحق سبحانه وتعالى مضافاً إلى قولهم ليبشع عملهم. " وقولهم: { إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ } فكأن الحق لم يشأ أن يذكر عيسى ابن مريم إلا مرتبطا أو موصوفاً بقوله: { رَسُولَ ٱللَّهِ } لنعلم بشاعة ما فعلوه، فعيسى ابن مريم رسول الله على رغم أنوفهم، وخاصة أن الكلام في مجال انكارهم وجحودهم لنعم الله، وكفرهم بآيات الله، وكأن الحق يسخر منهم لأنه ما كان الله ليرسل رسولاً ليبين منهجه للناس ثم يسلط الناس على قتله قبل أن يؤدي مهمته. وجاء بكلمة { رَسُولَ ٱللَّهِ } هنا كمقدمة ليلتفت الذهن إلى أن ما قالوه هو الكذب. وبعد ذلك يقول لنا سبحانه: { وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ }. وكلمة " وما صلبوه " هنا هي لتوضيح أن مجرد ظنهم أنهم قتلوا المسيح جعلهم يشيعون ذلك ويعلنونه للناس، وهم قد فعلوا ذلك قبل أن يتوجهوا إلى فكرة الصلب، فقد قتلوا شخصاً شبهه الله لهم ولم يكن هو المسيح وصلبوه من بعد ذلك، وبمجرد قتل هذا الشخص طاروا بخبر القتل قبل أن تبدأ فكرة الصلب. ويقطع الله عليهم هذا الأمر، فيقول: { وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ }. وقد لفتنا سبحانه من قبل إلى أن عملية ميلاد المسيح تم استقبالها من بني إسرائيل بضجة، فعلى رغم علمهم خبر مجيء المسيح بالميلاد من غير أب، وعلى رغم أنهم علموا بناتهم الاستشراف أن يكون لأية واحدة منهن شرف حمل المسيح، وعلى رغم ذلك قالوا البهتان في مريم التي اصطفاها الله.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7