الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً }

وسبحانه يريد أن يجعل من قضية الإيمان قضية كلية واحدة لا أبعاض فيها، فليس إعلان الإيمان بالله وحده كافياً لأن يكون الإنسان مؤمناً لأن مقتضى أن تؤمن بالله يحتاج إلى رسول يعرفك أن الخالق هو الذي سخر لك قوى الكون واسمه الله. وأنت لا تهتدي إلى معرفة اسم القوة الخالقة لك إلا بوساطة رسول منزل من عند الله. ونعرف أن عمل العقل في الاستنباط العقدي عاجز عن معرفة اسم خالق الكون لأن الإنسان قد طرأ على كون منظم، وكان من الواجب عليه أن يلتفت لفتة ليعلم القوة التي سبقت هذا الوجود وخلقته وأن الإنسان قد طرأ على وجود متكامل. وقد يسمع الإنسان من أبيه - مثلاً - أن هذا البيت بناه الأب أو الجد، وذلك الشيء فعله فلان ابن فلان. لكن لم يسمع أحداً يقول له: " ومن بنى السماء؟ " ولم يسمع أحداً يقول: " ومن خلق الشمس؟ " ، مع أن الناس تدعي ما ليس لها، فكيف يُترك أعظم ما في كون الله بدون أن نعرف من أوجده؟. إننا نجد الناس تؤرخ للشيء التافه أو المهم نسبياً في حياتهم، نجد دراسات عن تاريخ أحجار، ودراسات عن تاريخ صناعة الأشياء تاريخ المصباح الكهربي الذي اخترعه اديسون وقام بتوليد الكهرباء من مصادر ضئيلة ويسيره، باختصار، نجد أن كل شيء في هذا الوجود له تاريخ، وهذا التاريخ يرجع بالشيء إلى أصل وجوده. وأنت إن نسبت أي صنعة مهما كانت مهمة أو تافهة نكتشف أن واحداً تلقاها عن واحد، ولم يبتكرها هو دفعة واحدة. إن كل مبتكر أخذ ما انتهى إليه سابقه وبدأ عملاً جديداً إلى أن وصلت المخترعات بميلادها، ومن يصدق أن مصباحاً يُضيء وينطفئ ويحترق يصنعه إنسان ونعرف له تاريخاً، وبعد ذلك ننظر إلى الشمس التي لم تخفت ولم تضعف ولم تنطفئ ولم تحترق، والمصباح ينير حيزاً قليلا يسيراً، والشمس تنير كوناً ووجوداً، ألا تحتاج الشمس إلى من يفكر في تاريخها؟ لقد سبق لنا أن قلنا: إن الإنسان حينما ينظر إلى الكون نظرة بعيدة عن فكرة الدين وبعيداً عن بلاغ الرسل عن الخالق وكيفية الخلق ومنهج الهداية، فهو يقول لنفسه: تختلف مقادير الناس باختلاف مراكزها وقوتها فيما يفعلون، هناك من يجلس على كرسي من شجر الجميز. وآخر على كرسي مصنوع من شجر الورد، وثالث يجلس على حصيرة. إن الإنسان يعيش بصناعات غيره من البشر حسب قدره ومكانته فالريفي أو البدوي يشعل النار بصك حديدة بحجر الصوان ويحتفظ بالنار لمدة يستخدمها لأكثر من مرة، وعندما يرتقي في استخدام النار يستخدم " مسرجة " ، ولمَّا ازداد تحضرا استخدم " مصباح جاز " بزجاج ولها أرقام تدل على قدرتها على الإضاءة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6