الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً }

نعرف واقع المنافقين أنهم يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر ويوضح الحق: إياكم أن تظنوا أن في قدرة مخلوق أن يفعل شيئاً بدون علم الله، وقد يمكر إنسان بك، وهو يعلم أنك تعلم بمكره، فهل هذا مكر؟ لا لأن المكر هو الأمر الذي يتم خفية بتدبير لا تعلمه، والأصول في المكر ألا يعلم الممكور به شيئاً. والمنافقون حين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر يخادعون من يعلم خافية الصدور. وكان يجب أن يأخذوا درساً من معاملة الله بوساطة المؤمنين لهم، فقد صان المؤمنون دم المنافقين ومالهم. وأجرى المسلمون على المنافقين أحكام الإسلام، لكن ما الذي يبيته الله لهؤلاء المنافقين؟ لقد بيت لهم الدرك الأسفل من النار. فمن الأقدر - إذن - على الخداع؟ إن الذكي حقاً هو من لا يخدع من يعلم أنه قادر على كشف الخداع. وكلمة " خدع " تعني مكر به مكراً فيبدي له قولاً وفعلاً ويخفى سواهما حتى يثق فيه. وبعد ذلك ينفذ المكر. وهناك كلمة " خدع " وكلمة " خادع ". والحق في هذه الآية لم يقل إن الله يخدعهم، بل قال: { يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ }. و " خادع " تعني حدوث عمليتين، مثل قولنا: قاتل فلان فلانا. فالقتال يحدث بين طرفين. وكذلك نقول: شارك فلان فلانا لأن مادة " فاعل " تحتاج إلى طرفين. لكن عندما نقول " قتل " ، فالفعل يحدث من جانب واحد. والخداع يبدأ من واحد، وعندما يرى الشخص الذي يُراد خداعه أن خصمه أقوى منه فإنه يبيت له خداعاً آخر، وتسمى العملية كلها " مخادعة " ، ويقال: خادعه فخدعه إذا غلبه وكان أخدع منه. ومن إذن الذي غلب؟ إن الذي بيَّت الخداع رداً على خداع خصمه هو الغالب. ولأن الخداع يحدث أولاً، وبعد ذلك يتلقى " المخدوع " الأمر بتبييت أكبر فهو " خادع " ، والذي يغلب نقول عنه: " أخدعه " أي أزال خداعه. والله سبحانه وتعالى عاملهم بمثل ما أرادوا أن يعاملوا به المؤمنين، فالمنافقون أظهروا الإيمان أولاً وأضمروا الكفر، وأعطاهم الله في ظاهر الأمر أحكام المسلمين، وفي الباطن قرر أن يعذبهم عذاب الكافرين بل وأشد من ذلك لأنهم سيكونون في الدرك الأسفل من النار. { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } وإياك أيها المسلم أن تشتق من هذه العملية اسما لله وتقول " المخادع " لأن أسماء الله توقيفية أي لا نسمي الله إلا بالأسماء التي سمَّى بها نفسه. وسبحانه يفعل الفعل، لكن لا تأخذ من هذا الفعل اسماً، والحق يعطينا هنا " مشاكلة " ليوضح لنا أن المنافقين يمكرون ويبيتون شراً للمؤمنين، وأنت أيها المسلم تعرف أن الإنسان إنما يبيت الشر على قدر طاقته التي مهما كبرت فهي محدودة بجانب طلاقة قدرة الله.

السابقالتالي
2 3 4