الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَٰبِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱلْكَٰفِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً }

يأمر الحق المؤمنين أنهم إذا سمعوا بعضاً من الكافرين يهزأ بآيات الله أو يكفر بها فلا يقعدوا معهم إلا أن يتحولوا إلى حديث آخر، وذلك حتى لا يكونوا مثل الكافرين لأنه سبحانه سيجمع المنافقين والكافرين في جهنم، وبذلك يحمي الله وحدهُ أهل الإيمان، ويصونهم من أي تهجم عليهم، فالذين يغارون على الإيمان هم الذين آمنوا، فمادمت قد آمنت وارتضيت لنفسك الإسلام فإياك أن تهادن من يتهجم على الدين لأنك إن هادنته كان أعز في نفسك من الإيمان، ومادمت أيها المؤمن قد ارتضيت الإيمان طريقاً لك وعقيدة فلتحم هذا الإيمان من أن يَتَهَجَّم عليه أحد، فإن اجترأ أحد على الإيمان بشيء من النقد أو السخرية أو الرمي بالباطل.. فالغيرة الإيمانية للمسلم تحتم عليه أن يرفض هذا المجلس. وكان المؤمنون في البداية قلة مستضعفة لا تستطيع الوقوف في وجه الكافرين أو المنافقين، فساعةً يترك المؤمنون الكافرين أو المنافقين لحظة اللغو في آيات الله، فالكافرون والمنافقون يعلمون بذلك السلوك أن عِرض الإيمان أعز على المسلمين من مجالسة هؤلاء. أما إذا جالسهم مسلم وهم يخوضون في الإيمان.. فهذا يعني أنهم أعز من الإيمان، والكافرون قد يجعلونها حديثاً مستمراً لسبر غور الإيمان في قلوب المسلمين. أما حين يرى الكافر مؤمناً يهب وينفر من أي حديث فيه سخرية من الإسلام، هنا يعرف الكافر أن إيمان المسلم عزيز عليه. وهذه الآية ليست آية ابتدائية إنما هي إشارة إلى حكم سبق، ونعرف أنها نزلت في المدينة فالحق يقول: { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا } ومعنى هذا أن هناك آية قد نزلت من قبل في مكة ويقول فيها الحق:وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيۤ آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } [الأنعام: 68] ويشير الحق هنا إلى أنه قد أنزل حكماً في البداية، وهو الحكم الذي نزل مع الكافرين في مكة حيث استضعف الكافرون المؤمنين، ولم يكن المنهج الإيماني قد جاء بمنع المؤمنين أن يجالسوا الكافرين، فقد كان بعض المؤمنين عبيداً للكافرين، وبعض المسلمين الأوائل كان لهم مصالح مشتركة قائمة مع الكافرين وجاء الحكم: إن ولغ هؤلاء الكافرون في الدين بالباطل فاتركوا لهم المكان. وسبحانه هنا في سورة النساء يذكر المؤمنين بأن حكم ترك الكافرين لحظة اللغو في الإيمان هو حكم ممتد منقول للمؤمنين من البيئة الأولى حيث كنتم أيها المؤمنون مع المشركين عبدة الأصنام، والحكم مستمر أيضاً في المدينة حيث يوجد بعض أهل الكتاب. والتكليف من الله، هو تكليف بما يطيقه الجنس البشري فالإنسان عرضة لأن ينسى، وعليه بمجرد ان يتذكر فليقم تاركاً هؤلاء الذين يخوضون في آيات الله.

السابقالتالي
2 3