الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }

الأحكام المتقدمة والأمور السابقة كلها حدود الله، وحين يحدّ الله حدوداً، أي يمنع أن يلتبس حق بحق، أو أن يلتبس حق بباطل فهو الذي يضع الحدود وهو الذي فصل حقوقاً عن حقوق. ونحن عندما نقوم بفصل حقوق عن حقوق في البيوت والأراضي فنحن نضع حدوداً واضحة، ومعنى " حد " أي فاصل بين حقين بحيث لا يأخذ أحد ما ليس له من آخر. والحدود التي نصنعها نحن والتي قد لا يتنبه إليها كثير من الناس، هي نوعان: نوع لا يتعدى بالبناء، فعندما يريد واحد أن يبني، فالأول يبني على الأرض التي هي حق له، ويكون الجداران ملتصقين بعضهما ببعض. وعندما يزرع فلاح بجانب فلاح آخر فكل فلاح يزرع في أرضه وبين القطعتين حد، وهذا يحدث في النفع. لكن لنفترض أن فلاحاً يريد أن يزرع أرزاً، وجاره لن يزرع أرزاً، فالذي لن يزرع الأرز قد تأخذ أرضه مياهاً زائدة، فالمياه تصلح للأرز وقد تفسد غيره، ولذلك يكون الحكم هنا أن يقيم زارع الأرز حداً اسمه " حد الجيرة " ليمنع الضرر، وهو ليس " حد الملكية " فزارع الأرز هنا ينقص من زراعته مسافة مترين، ويصنع بهما حد الجيرة، حتى لا تتعدى المياه التي يُروى بها الأرز إلى أرض الجار. إنه حد يمنع الضرر، وهو يختلف عن الحد الذي يمنع التملك. إذن فمن ناحية حماية الإنسان لنفسه من أن يوقع الضرر بالآخرين عليه أن ينتبه إلى المقولة الواضحة: " لا تجعل حقك عند آخر حدك، بل اجعل حقك في الانتفاع بعيداً عن حدك " ، وهذا في الملكية. وذلك إذا كان انتفاعك بما تملكه كله سيضر بجارك. وكذلك يعاملنا الله، ويقول في الأوامر:تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا.. } [البقرة: 229]. وفي النواهي يقول سبحانه:تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا.. } [البقرة: 187]. أي أنك إذا ما تلقيت أمراً، فلا تتعد هذا الأمر، وهذه هي الملكية، وإذا ما تلقيت نهياً فلا تقرب الأمر المنهي عنه. مثال ذلك النهي عن الخمر، فالحق لا يقول: " لا تشرب الخمر " ، وإنما يقول:إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ.. } [المائدة: 90]. أي لا تذهب إلى المكان الذي توجد فيه من الأصل، كن في جانب وهذه الأشياء في جانب آخر. ولذلك قلنا في قصة أكل آدم من الشجرة: أقال الحق: " لا تأكلا من الشجرة "؟ أم قال ولا تقربا هذه الشجرة؟ سبحانه قال:وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ.. } [الأعراف: 19]. وهذا حد اسمه " حد عدم المضارة " إنه أمر بعدم الاقتراب حتى لا يصاب الإنسان بشهوة أو رغبة الأكل من الشجرة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6