الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً }

لماذا هذا اللعن؟ لقد أذنب الشيطان وعصى الله. وآدم أذنب أيضا وعصى الله. فلماذا لعن الله الشيطان، ولماذا عفا الله عن آدم؟ نجد الإجابة في القرآن:فَتَلَقَّىٰ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } [البقرة: 37] ونعرف بهذا القول: أنّ هناك فرقاً بين أن يرد المخلوق على الله حكماً، وفعل المعصية للغفلة. فحين أمر الحق إبليس بالسجود لآدم قال إبليس:قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } [الأعراف: 12] وهذا رد للحكم على الله، ويختلف هذا القول عن قول آدم وحواء، قالا:رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا } [الأعراف: 23] وهكذا نجد أن آدم قد اعترف بحكم الله واعترف بأنه لم يقدر على نفسه. ولذلك فليحذر كل واحد أن يأتي إلى ما حرّم الله ويقول: لا، ليس هذا الأمر حراما لكن إن كان لا يقدر على نفسه فليعترف ويقول: إن ما حرم الله حرام. لكني غير قادر على نفسي. وبذلك يستبعد الكفر عن نفسه، ويكون عاصياً فقط ولعل التوبة أو الاستغفار يذهبان عنه سيئات فعله. أما من يحلل ما حرّم الله فهو يصر على الكفر، وطمس الله على بصيرته نتيجة لذلك. وسبحانه وتعالى يصف الشيطان بقوله - سبحانه -: " لعنه الله " أي طرده من رحمته. وليتيقظ ابن آدم لحبائل الشيطان وليحذره لأنه مطرود من رحمة الله. ولو أن سيدنا آدم أعمل فكره لفند قول الشيطان وكيده، ذلك أن كيد الشيطان ضعيف. ولكن آدم عليه السلام لم يتصور أن هناك من يقسم بالله كذباً. فقد أقسم الشيطان:وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } [الأعراف: 21] وكانت غفلة آدم - عليه السلام - لأمر أراده الله وهو أن يكون آدم خليفة في هذه الدنيا لذلك كان من السهل أن يوسوس الشيطان لآدم ولزوجه:فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ } [الأعراف: 20] وأغوى الشيطان آدم وحواء بأن الله قد نهاهما عن الأكل من تلك الشجرة حتى لا يكونا ملكين، وحتى لا يستمرا في الخلود. ولو أن آدم أعمل فكره في المسألة لقال للشيطان: كل أنت من الشجرة لتكون ملكاً وتكون من الخالدين، فأنت أيها الشيطان الذي قلت بخوف شديد لله:قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [الحجر: 36] والحق يريد لنا أن نتعلم من غفلة آدم لذلك لا بد للمؤمن أن يكون يقظاً. فسبحانه يقول عن الشيطان: { لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً }. والقرآن الكريم حين يعالج قضية ما فهذه القضية تحتاج إلى تدبر. ونلحظ أن إبليس قد تكلم بذلك ولم يكن موجوداً من البشر إلا آدم وحواء، فكيف علم ما يكون في المستقبل من أنه سيكون له أتباع من البشر؟ وكيف قال: { لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً }؟.

السابقالتالي
2