الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوۤ إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ }

الضُّر هو ما يُخرِج الإنسان عن سلامته في نفسه، أو فيمَنْ يعول أو فيما يملك، والإنسان حينما يصيبه الضُّر يُفقِده ركيزة التعالي، و العنطزة لأنه لا يسلِّم نفسه بلا ثمن، ويعرف أنه لا أحدَ يرفع عنه ضُرَّه إلا الله، فيتوجه إليه وحده ولا يغشَّ نفسه. وقد أوضحنا هذه المسألة بحلاق الصحة زمان، وكان يقوم بدور الطبيب في البلدة، فلما انتشر التعليم وتخرَّج بعض الأطباء من كلية الطب خاف صاحبنا على أكل عيشه، وخاف أنْ يسحب هؤلاء البساطَ من تحت قدميه فراح الحلاق يُهوِّن من شأن الطبيب الجديد الذي عُيِّن في البلدة يقول: إنه لا يعرف شيئاً وو، يريد أنْ يصرف الناسَ عنه، لكن لما مرض ولده ماذا فعل؟ هل غَشّ نفسه؟ لا بل لفَّ الولد بالليل، وأخذه إلى الطبيب الذي طالما تكلم في حقه وقلَّل من قدراته أمام الناس، أما الآن والمريض ولده فإنه يعود إلى الحق ولا يخدع نفسه. كذلك الإنسان إذا مسَّه الضر وعزَّتْ عليه أسبابه لا يلجأ إلا إلى ربه بعد أنْ انهدَّتْ فيه حيثيةكَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ } [العلق: 6-7] وبعد أنْ سقط عنه قناع التعالي والغطرسة. وقلنا: إن هذه القضية يستطيع كلٌّ منّا أن يلمسها في نفسه فأنت مثلاً تعطي ولدك مصروفه كل يوم عندما يذهب إلى المدرسة، وفي يوم ما نسيت تعطيه المصروف، ماذا يفعل؟ يتعرَّض هو لك ويحاول أنْ يمر من أمامك وكأنه يُذكِّرك بما نسيته، فيسلم عليك أو يقول: أنا رايح المدرسة يا بابا، ولو أنك تعطيه مصروفه كل شهر ما فعل ذلك طوال التسعة وعشرين يوماً، نعمكَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ } [العلق: 6-7]. فالإنسان ساعةَ يصيبه الضر، وهو يعلم أن الضر لا يرفعه إلا الله، ولا يصرفه إلا خالق السماوات والأرض، فإنه لا يتوجه إلا إليه، لمن تعتقد مواجيده أنه قادر على رَفْع هذا الضر، حتى لو كان كافراً بالله، غيرَ مؤمن به فإنه إذا مسَّه الضر يقول: يا رب، والعجيب أن الله يقبله ويغيثه ولا يردهأَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوۤءَ } [النمل: 62]. ويكفيك أنك لم تجد إلا أنا ولا تقول إلا يا رب. لذلك قال سبحانه:وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِي ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ } [الإسراء: 67] يعني: إنْ دعوتَ غير الله لا يستطيع الوصول، ويضل الطريق إليك، ولا يجيبك إلا الله. ومعنى { مُنِيباً إِلَيْهِ } [الزمر: 8] راجعاً إليه { ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ } [الزمر: 8] يعني: أعطاه { نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوۤ إِلَيْهِ مِن قَبْلُ } [الزمر: 8] أثار العلماءُ ضجة ومعركة حول الاسم الموصول ما هنا وقالوا: لماذا لم يقل نسي مَنْ لأن مَنْ تدل على العاقل، أما مَا فلغير العاقل، على معنى أن مَا هنا تعود إلى الله تعالى.

السابقالتالي
2