الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى ٱلّجَنَّةِ زُمَراً حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ }

هنا أيضاً ساقتهم الملائكة مع الفارق بين سَوْق الكافرين وسَوْق المتقين، فالكافرون ساقتهم الملائكة ليعجلوا لهم العذاب سَوْقاً فيه زجر وقسوة، أما المتقون فيُساقون سَوْق المحب لحبيبه ليعجلوا لهم النعيم. وقوله زمراً يعني: جماعات كل جماعة على حِدَة، فهؤلاء الزهاد وهؤلاء العلماء وهؤلاء المجاهدون وهؤلاء الأمناء { حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا.. } [الزمر: 73] هناك قال فًتِحَتْ وهنا وَفُتِحَتْ قالوا في أهل النار فُتِحَتْ هي جواب الشرط، أما هنا وَفَتِحَتْ ليستْ جواباً للشرط، بل جواب الشرط في النعيم المذكور بعدها، لأن فتح الأبواب ليس هو الغاية، إنما الغاية ما يتبع ذلك من النعيم. فالواو هنا عاطفة وجملة { وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا.. } [الزمر: 73] معطوفة على { حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا.. } [الزمر: 73] ذلك لأن المؤمنين ما كانوا يشكّون في هذا اليوم، أما الكفّار فيشكونَ فيه لذلك جعلفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا.. } [الزمر: 71] جواباً للشرط قبلها. أما في المتقين فجواب الشرط أسمى من مجرد فتح الأبواب لهم، ففتحت هذه مداخل الرحمة التي سيذكرها بعد، ويذكر مكوناتها، وكيف أنها تتدرج بداية من تحية الملائكة لهم: { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ.. } [الزمر: 73] لأنكم طهرتم أنفسكم من دنس المعاصي والشرك { فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ } [الزمر: 73] إلى آخر السورة، حيث يروْنَ الملائكة حافّين من حول العرش، وهذا هو جواب الشرط الذي يليق بهم. جماعة أخرى من العلماء قالوا: إن جواب الشرط هو وفتحت والواو هذه واو الثمانية، فما المراد بواو الثمانية؟ قالوا: كان منتهى العدد عند العرب سبعة، فإذا جاء شيء بعد السبعة يعدُّونه كلاماً جديداً فيعطفونه بالواو، ومن ذلك قوله تعالى في أهل الكهف:سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِٱلْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ.. } [الكهف: 22] فقبل الثامن يذكر الواو. ومن ذلك أيضاً قوله تعالى:ٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ ٱلْحَامِدُونَ ٱلسَّائِحُونَ ٱلرَّاكِعُونَ ٱلسَّاجِدونَ ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَٱلْحَافِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [التوبة: 112] فكلمة الناهون هي الثامنة لذلك سُبقت بالواو. وقال بعضهم: إن من ذلك قوله تعالى في سورة التحريم:عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً } [التحريم: 5]. نعم كلمة أبكاراً هنا هي الثامنة، لكن الواو جاءت هنا للفصل بين الاثنين، فالثيبات لا يكُنَّ أبداً أبكاراً. إذن: فهذه الآية لا يُحتجّ بها في هذا الموضوع، إنما يُحتج بآية الكهف وآية التحريم، على أن العدد سبعة هو منتهى العدد عند العرب، وكذلك العدد ألف. لذلك لما وقعتْ ابنة كسرى في الأَسْر وذهبتْ لتفدي نفسها، فقالوا لمن أخذها في حصته: كم تطلب فيها؟ قال: ألف دينار، فقالوا له: إنها بنت كسرى.

السابقالتالي
2