الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُـمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ }

تبين الآيةُ طبيعة خَلْق الإنسان الذي أراده خليفة في الأرض، فقال: { خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } [الزمر: 6] هو آدم عليه السلام { ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } [الزمر: 6] أي: حواء، ومنهما كانت الذرية وجاء التناسل. وما دام الله تعالى خلق هذا المخلوق ليكون خليفةً يعمر الأرض فلا بُدَّ أنْ يكونوا من جنس واحد ليتم لهم الإلْف والانسجام وتجمعهم حركة الحياة. وإلا لو كان هذا الخليفة من أجناس متعددة، فمجموعة مثلاً من الإنس، وأخرى من الجن، وأخرى من الحيوان ما استقامتْ بهم الحياة، ولا تساندتْ حركتهم. إذن: الجنس الواحد تتوفر فيه المودة والإلْف والمحبة والانسجام بين عناصره لأن لكل جنس قانونَهُ ونظامه والتقاءاته ومعاشرته، ولو أن الإنسان خُلِق من أجناس مختلفة لتعذَّر عليه الائتلاف واتحاد الحركة والأنس في المعيشة. وأيضاً، فإن الخالق سبحانه خلق الإنسان من جنس واحد ليثبت التساوي في الأصل، فلا يكون لأحد مَزيّة على أحد، لأنه خلق من جنس أعلى، وإنما ليكون التفاضل والمزية بمقدار توافق هذا المخلوق مع منهج الله، وهذه القضية أوضحها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: " لا فضلَ لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى ". والحق سبحانه يقول:إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ } [الحجرات: 13] يعني: لا فضلَ لأحدكم على الآخر إلا بحسنه فيما يستقبل عن ربه. وإنما تأتي الألوان والأشكال مختلفة لتناسب بيئة المعيشة، فالبيئات الحارة مثلاً يميل أهلها إلى السواد، والبيئات الباردة إلى البياض، كذلك الحال في اختلاف الألسنة بحسب البيئات أيضاً. أما الأصل فنحن جميعاً نُرَدُّ إلى آدم، وآدم خُلِق من تراب، وذريته خُلِقَتْ من بعده بالتكاثر. حتى في الرسالة قال الله تعالى:لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } [التوبة: 128] يعني: ليس غريباً عنكم، وليس من جنس غير جنسكم، فلم يكُنْ من الملائكة مثلاً مع أنها أعلى درجة إلا أن الرسول الملَك لا تتحقق فيه القدوة والأسوة المرادة من الرسول، كذلك لم يأْتِ فارسياً ولا رومياً يختلف لسانه عن لسانكم، إنما جاء عربياً من أوسطكم، ومن أعظم قبائلكم. إذن: البشر جميعاً في هذا الكون يعودون إلى نفس واحدة هي آدم عليه السلام، وقد أوضح لنا الحق سبحانه كيف خلق آدم بالشكل المعروف. وقال سبحانه:فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } [الحجر: 29]. لكن لم يذكر شيئاً عن خلق حواء، إلا أن العلماء قالوا: خلقها الله كما خلق آدم، وقال آخرون: بل خُلِقَتْ من ضلع من أضلاع آدم، فهي مطمورة في خَلْق آدم، مما يدلُّ على أن المرأة تابعة للرجل، محجوبة فيه، حتى في مسألة الخَلْق. وأصحاب هذا الرأي يعتمدون على معنى: { ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } [الزمر: 6] منها أي: من جزء من أجزائه، أو من جنسه لأن جعل لا تدل على اختلاف العنصر كما في قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4 5