الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

لأن قارون اغترَّ بماله وجاهه، وما كان فيه من غنى وزَهْوة في قومه، حتى قالقَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ } [القصص: 78] فأراد الحق سبحانه أنْ يُصحح له المسألة ولمَنْ كان على شاكلته، فقال سبحانه: { أَوَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ } [الزمر: 52] يبسط يعني: يُوسِّع على مَنْ يشاء، ويقدر يعني: يُضيق على مَنْ يشاء ويقبض، وكما نقول: يعطي مَنْ لا حيلَةَ له ليتعجب مَنْ له حيلة. إذن: المسألة في الرزق والعطاء ليست شطارة ومهارة في تناول الأشياء، إنما هي قدر قدَّره الرازق سبحانه. وقد ورد في الحديث القدسي قوله تعالى: " يا ابن آدم.. خلقتُك للعبادة فلا تلعب، وقسمتُ لك رِزقك فلا تتعب، فإنْ أنت رضيتَ بما قسمتُه لك أرحتُ قلبك وبدنك وكنتَ عندي محموداً، وإنْ لم ترْضَ بما قسمتُه لك فوعزّتي وجلالي لأُسلِطنَّ عليك الدنيا تركض فيها ركْضَ الوحوش في البرية، ثم لا يكون لك منها إلا ما قسمتُه لك وكنتَ عندي مذموماً ". فالرزق قسمه الرازق سبحانه، ولا يُشترط له مهارة ولا رجاحة عقل وحُسْن تفكير، لذلك قال أبو العتاهية:
يُرزَقُ الأحْمَقُ رزْقاً واسعاً   وَتَرى ذَا اللُّبِّ محرُوماً نَكِد
والحق سبحانه وتعالى يرزق الإنسان من حيث لا يحتسب، لذلك يُحكى أن رجلاً راعياً وهو يسير في الطريق إذ عثرتَ رِجْله بحجر، فوجد عنده بئراً فجعل يتحسَّس ما في البئر، فوجد شيئاً له صوت شخشخة كصوت الذهب والفضة، فبحث عنه فوجدها غرارة مملوءة بالذهب والفضة فأخذ منها ما يملأ جيوبه وما يستطيع حمله، وترك الباقي في مكان يعلمه ليعود إليه حين الحاجة. وبعد فترة نفد ما معه من المال، فجاء إلى نفس المكان ليأخذ من هذا المال فوجد شخصاً آخر قد سبقه إليه وأخذ ما تبقّى منه، فلما رآه يحمله على ظهره نظر إليه. فقال الرجل: رزقني الله ما ظننته أنه لك، لكن هو لي. لكن نلحظ في مسألة الرزق أن الناس يُخطئون حين يظنون ويُحجِّمون الرزق في المال وحده، فالرزق عندهم هو الغِنَى وكثرة المال، لكن الصواب أن نقول: الرزق هو كل شيء يُنتفع به وتستفيد منه، وعليه فالعلم رزق، والحلم رزق، والأمانة رزق، والصحة رزق.. إلخ. لذلك ينبغي على الغني الذي رُزِق المال الوفير أنْ يسأل نفسه حين يرى فقيراً: يا ترَى ما رزق هذا الفقير؟ وبم تميَّز عني؟ ربما كان رزقه في عقله أو في أدبه أو في حلمه أو في سمعته الطيبة بين الناس أو في عافيته. وسبق أنْ قلنا: إن مجموع المواهب عند أيِّ إنسان تساوي مجموع المواهب عند الآخر، فهذا عنده المال بنسبة عشرة على عشرة، لكنه حُرِم نعمة الولد بنسبة صفر على عشرة وهكذا لأن الخَلْق جميعاً عيال الله، ولا يوجد منهم مَنْ هو ابن الله أو بينه وبين الله نسب.

السابقالتالي
2